لا يمكن إغفال حقيقة أن الرواية السعودية في العقدين الماضيين هيمنت على المشهد الثقافي والإعلامي والأكاديمي محلياً وعربياً. حيث تتضح هذه السيطرة والطفرة في الرواية السعودية من خلال أعداد الروايات التي صدرت مقارنة بعدد المجموعات القصصية. على سبيل المثال: نجد أن أعداد الروايات المنشورة من عام 2004 حتى 2016 تقارب الـ971 روايةً، بينما نجد أعداد المجموعات القصصية المنشورة في نفس المرحلة لا يتجاوز الـ683 مجموعةً قصصيةً.
ومن خلال قراءة المشهد الثقافي والأدبي السعودي في هذه الحقبة الزمنية يتضح لنا أهم العوامل التي ساهمت في الحضور القوي للرواية السعودية على حساب الأجناس الأدبية الأخرى، الحصول على الجوائز الأدبية التي فتح باب التنافس على مصراعيه على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي حيث حظيت الرواية السعودية على جوائز محلية وعربية ودولية وأهمها الجائزة العالمية للرواية العربية (International Prize for Arabic Fiction) - جائزة البوكر العربية، حيث فاز بهذه الجائزة ثلاثة روائيين سعوديين: عبده خال عام 2010 عن روايته «ترمي بشرر» ورجاء عالم عام 2011 عن روايتها «طوق الحمام» -مناصفة- و أخيراً محمد حسن علوان عن روايته «موت صغير» عام 2017. كما لا يمكن تجاهل، أثر الروايات السعودية التي وصلت القائمة القصيرة.
ولعل من المناسب أن نشير إلى حال القصة القصيرة في العالم العربي حتى ندرك حقيقة واقع القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية. يمكن القول إن القصة القصيرة على المستوى العربي وصلت لذروة مجدها في الستينيات حيث كان روادها أكثر إخلاصاً لكتابتها على حساب الرواية. على سبيل المثال لا الحصر: كما عند الكاتب القصصي السوري زكريا تامر والروائي والقاص الفلسطيني غسان كنفاني والقاص والروائي يوسف إدريس وكذلك القاص والروائي الأردني حسني فريز.
الجدير بالذكر أن هذا الإخلاص للقصة القصيرة خفت قليلاً لصالح الرواية بعد ما نال الأديب نجيب محفوظ جائزة نوبل للآداب عام 1988م عن روايته «أولاد حارتنا». ونتيجة لمكانة وأثر هذه الجائزة على الأدب العربي عامة والرواية بشكل خاص، يمكن ملاحظة زخم الاحتفاء النقدي والإعلامي بالرواية العربية بالإضافة إلى تكريس الجوائز العربية لكتابة الرواية وسط تراجع الاهتمام بالقصة القصيرة وأشكال الكتابة الإبداعية الأخرى.
وفي ذات السياق، حال القصة القصيرة في العالم العربي ينطبق على الوضع الراهن للقصة القصيرة في الأدب السعودي لكن الحديث عن أفول القصة واندثارها أمر في غاية الصعوبة فالقصة القصيرة رغم كل هذه العوامل مازالت حية حاضرة تتدفق باستمرار. بل أجزم، بأنها ستحظى بمستقبل مشرق ولن تنقرض من المشهد الأدبي خاصة بعد اهتمام هيئة الأدب والنشر والترجمة بالأدب السعودي والمساهمة في دعمه وريادته على كافة المستويات المحلية والإقليمية والعالمية ضمن رؤية المملكة العربية السعودية 2030.
فالمبادرات والفعاليات التي تقوم بها هيئة الأدب والنشر والترجمة لم تعد حكراً على جنس أدبي دون غيره، فنجد هناك العديد منها يركز على دعم ونشر القصة القصيرة في الأوساط الثقافية والأدبية وتشجيع كافة المجتمع من كبار وأطفال ويافعين من خلال وجود مجال فسيح لتنمية وصقل مواهبهم في كتابة القصة القصيرة وأشكال الكتابة الإبداعية الأخرى وفتح الآفاق لهم للوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من القراء. ومن أهم وأحدث المبادرات التي قامت بها الهيئة تنظيم مسابقة «بابا طاهر» حيث كانت القصة القصيرة جزءاً رئيسياً من هذه المسابقة وغيرها الكثير. هذا الاهتمام بالمنتج الأدبي السعودي على كافة الأصعدة، يجعلني أمام واقع يؤمن بعودة زخم الاهتمام بالقصة القصيرة ومزاحمة الحضور القوي الذي تشهده الرواية في المشهد الأدبي السعودي.
** **
- د. عادل المظيبري