عبدالمقصود خوجة.. أحد أعلام الفكر والثقافة بمدينة جدة.. من طلاب مدارس الفلاح.. وما أكثرهم في بلادنا.. ومن الرجال الموسوعيين.. الذين امتلأت بهم ساحة الثقافة خلال نصف القرن الماضي..
عُرف باثنينيته بمدينة جدة: التي استضافت مئات الأعلام من المثقفين، والعلماء، والشعراء.. يتميز بدماثة خلقه.. وابتسامته التي لا تفارقه عند لقائه محبيه..
يلقي خطاباته الترحيبية بضيوفه باثنينيته ارتجالاً.. وما رأيته يحمل ورقة عندما يتكلم.. شأنه في ذلك شأن الكثير من أبناء جيله من الأدباء والشعراء والعلماء الذين رأيتهم وعاصروه.. ممن يتدفقون ارتجالاً عندما يصعدون المنابر.. أمثال إبراهيم فودة.. والعواد.. وعرب.. والعُريف.. وأبو مدين.. والحصين.. والقصيبي.. والجاسر.. والجواهري.. والزيدان وعشرات الرموز ممن استضافهم من داخل بلادنا ومن خارجها..
إن الخوجة ظاهرة ثقافية أحسبها لن تتكرر.. عرفته في المناسبات الكثيرة على اختلاف أنماطها.. وقد زارني في مكتبي بجدة أكثر من مرة..
ودائمًا ما كان يلح عليّ أن أكون ضيفًا للاثنينية لكني كنت أعتذر لكثرة مشاغلي.. وارتباطاتي.. التي كانت لا تنتهي لكثرتها..
ووضعني مرة أمام الأمر الواقع عندما أعلنّا نتائج طلاب الثانوية العامة لسنة مضت.. وكان من بين الناجحين طالب من إحدى ثانويات جدة حصل في معدله العام على 99 %.. من مجموع الدرجات.. وفوجئت به يزورني مهنئًا بهذا المستوى الاستثنائي، وأنه قرر تكريمه في الاثنينية.. ويرغب مني الحضور وإلقاء كلمة بالمناسبة.. قائلاً: هذه المرة ليس لك فرصة للاعتذار.. فشكرته ووعدته بالحضور.. لأنني رأيت في حفل تكريم الطالب مناسبة لتكريم أسرة التعليم كلها بالمنطقة الغربية بأسرها..
وذهبت إلى دارته العامرة بجدة فوجدتها قد امتلأت عن آخرها بالمدعوين من التعليم، والأدباء، والصحفيين، وأولياء الأمور.. والطالب وأسرته بالطبع.. وألقيت كلمة شكرت الخوجة فيها على هذه اللفتة الكريمة منه، وعدّدت فضائله وما قدمه للأدب وللأدباء، والعلماء، والمفكرين والمجتمع، على امتداد الساحتين العربية والإسلامية.. وكانت المناسبة حدثًا قل أن يتكرر..!
ولقد علمت بوفاته رحمه الله.. من ابني المهندس سهيل حفظه الله.. الذي بادرني بالخبر فور معرفته به.. لعلمه بعلاقتي به.. وأملي كل أملي أن نجد في شبابنا من يأخذ مكان أولئكم الرواد فيملأ الساحة الفكرية من جديد بأمثالهم أو بأحسن منهم.. وما ذلك على الله بعزيز..
و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}..
** **
- د. عبدالله محمد الزيد