د. محمد بن إبراهيم الملحم
تحدثت عن أول عناصر من عوامل التغيير وهو عملاء التغيير Change Agent وأبرزهم المنفذون وضرورة توفر عنصري القيادة والمعرفة لديهم وتمثّل هؤلاء في مديري التعليم (مقابل مديري المدارس في الغرب) ومنهم أيضاً فئتا متخذي وصنَّاع القرار وضرورة توفر عنصر القيادة في هؤلاء والتي أبرز مكوناتها المهمة للتغيير «المرونة» في التفكير والقدرة على تقبل الأفكار الجديدة وكذلك تقبل أخطاء التنفيذ وتصحيح المسار وبدون هذه الخصلة فإما لا يتاح للتغيير أن يرى النور أو أن يظهر ويبقى جامداً كما هو دون تصويب (عند الحاجة) أو تطوير أو توسيع عند النجاح المبدئي.
وأتحدث اليوم عن العنصر الثاني وهو خدمات التغيير المساندة وهي: الترويج والتدريب والتقييم فبدون هذه الثلاثة لا يسير التغيير بسهولة ويظل تحت رحمة الاحتمالات بينما عند توفيرها فإن التغيير غالباً يسير في خطى أكثر ثقة وأكثر انضباطاً وعلمية، وأول هذه الخدمات وأهمها: الترويج، فلا بد من حملة ترويج مدروسة بدقة وذات إستراتيجية محكمة لأجل إيصال رسالة أو رسائل التغيير للمستفيدين والمنفذين على حد سواء، وأهمية الترويج أن يسرع من دورة التغيير التي وضحها المنحنى المشهور للتغيير S model for change لـ إيفرت روجرز Everett M. Rogers والذي يكون فيه أول المتفاعلين مع التغيير هم فئتا المبدعين والمتبنين ونسبتهم 16 % يليهم الغالبية المبكرة 34 % ثم الغالبية المتأخرة 34 % وأخيراً المترددون 16 % ، حيث يكمن التسريع في زيادة نسبة «المتبنين» في البداية إلى نسبة تقترب من 30 % كما أنها قد تقلّل نسبة «المترددين» إلى أقل حد أو تلغيها غالباً، وهذا التوصيف هو ليس في الممارسة وإنما في الإيمان بالفكرة لأن الممارسة قد تحدث كاستجابة رسمية نمطية لصدور التغيير من رأس المؤسسة الرسمية بيد أن تنفيذ هذه الممارسة دون إيمان بها لا يحقق النتائج التي يطمح لها تصميم التغيير وأفكاره.
الحملات الترويجية لا تقتصر على مواد إعلانية يتم تأليفها وإخراجها فقط، ولكنها إستراتيجية كاملة تشمل تصريحات المسؤولين متى تكون وماذا يقال فيها أو ماذا يقال في كل منها بحسب مرحلة التطبيق فلكل منها تصريح مثلاً، كما قد تتضمن مراجعة التنظيمات الصادرة لأجل ذلك التغيير فقد توصي إستراتيجية الترويج بتقديم بعضها أو التأخير لما يجلبه ذلك من مصالح ترويجية، بل قد توصي بتغيير مناسب لنفس الهدف أيضاً، كذلك تتضمن مراجعة المواد التدريبية وكيفية تقديمها للمتدربين وفيما إذا كانت تحتاج إلى إعادة صياغة لتقدم المحتوى بطريقة أكثر تشويقاً وجذباً لفكرة التغيير.
الترويج لا يقتصر على تحسين فكرة ومبادئ التغيير الجديد لدى المتلقي، ولكنه يساعد أيضاً على حسن فهم أفكار التغيير وأهدافه بشكل مبكر يسبق التدريب ويهيئ له، خاصة عندما ينطوي التغيير على مهارات جديدة مطلوبة أو توجهات جديدة مفترضة، الترويج ينبغي له أن يُصاغ بطرق تشويقية تناسب لغة وفكر الجمهور المستهدف كما أنه ينبغي أن يقدم التغيير الجديد بصورة مقنعة بعيداً عن التهرب من المصارحات والمكاشفات التي قد ينطوي عليها التغيير، وضرورة الإفصاح عنها بكل جرأة مع الجاهزية التامة (والذكية) لمواجهة فكر مقاومة التغيير المحتمل. أحياناً تكون بعض حملات الترويج من الغباء بمكان أنها تقدم التغيير الجديد بلغة «فرض الواقع» والتسليم له مما يجعل دورها سلبياً في الواقع فتتمنى أنها لو لم تكن لكان أفضل لذلك التغيير القادم، وبالجملة فكل ما يمكن قوله لجودة وقوة تأثير أية حملة إعلامية أو إعلانية فهو أولى ما يكون لحملات «التغيير» الترويجية قبل أي غرض إعلامي آخر.