د.شريف بن محمد الأتربي
«التعليم في السعودية اليوم ليس سيئًا ونطمح للأفضل، وسنعمل على تقليل المعلومات والتركيز على العلوم الأساسية كالقراءة والرياضات بالإضافة إلى التركيز على المهارات، ونستهدف وصول 3 جامعات سعودية ضمن أهم 200 جامعة في العالم».
وردت هذه الكلمات ضمن حديث سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - بمناسبة مرور 5 سنوات على إطلاق رؤية المملكة 2030، والذي يتضح منه توجه الدولة نحو التمهير - إكساب الطلبة المهارات - والذي يساعد الطلبة على سرعة الانخراط في سوق العمل، مع ضرورة تحصيل المعارف الأساسية.
وصف رايان إم فريشمان، مؤلف كتاب «نهج قائم على المهارات لتطوير مهنة»، كيف أن المهارات هي لغة التعلم وكيف أن الخبرات عامل رئيسي في تعلم مهارات جديدة. وذكر Frischmann بعض المعلومات التي تتعلق بسؤال تدريب قديم: كم من الوقت يستغرق حقًا تعلم مهارة جديدة؟
حاول بعض الخبراء الإجابة على السؤال، ولكن تم التطرق إلى سؤال آخر يمثل أهمية شديدة لا تقل عن أهمية السؤال الأول، وهو: ما المستوى المطلوب من الخبرة مع المهارة المراد إكسابها للمتعلم؟
وقد تناولت العديد من المقالات هذا السؤال حيث أشارت إحدى المقالات أن إتقان مهارة ما يستغرق 10000 ساعة، حوالي 9 سنوات، مع الوضع في الاعتبار أن الدوام 5 أيام في الأسبوع، ويتراوح بين 4-6 ساعات في اليوم.
فيما ذكرت مقالة أخرى أن تطوير مهارة جديدة قد يستغرق 6 أشهر أو أكثر، وذكرت أخرى أن الأمر قد يستغرق 20 ساعة لتعلم مهارة «لأداء جيد بما يكفي لأغراضك الخاصة».
وهناك اختلاف واضح بين المعرفة والمهارة، يمكن توضيحها في العبارة التالية: ماذا نتعلّم؟ وكيف نتعلّم؟ فالمعرفة تتضمن شيئًا «نظريًا»، وتشير إلى معلومات حول موضوع معين تتعلمه من الكتب، أو الصحف، أو المجلات، أو الموسوعات، أو الإنترنت، أو المدرسة/ الكلية. بينما المهارات تعني شيئًا «عمليًا» وتشير إلى تطبيق المعلومات النظرية في الممارسة وفي مكان العمل.
والمعارف تنمى على فترات زمنية طويلة، وهي تراكمية، والمهارات تثقل على فترات زمنية قصيرة، لذا فإن البعد عن توظيف المعرفة، واستغلال المهارات لفترات طويلة قد يؤدي إلى ضعف الأداء، وعدم تحقيق النتائج المرجوة في الوقت المحدد.
وقد أشارت العديد من الدراسات منها دراسة البنك الدولي واليونسكو واليونيسيف، ودراسة جمعية البحوث التربوية الأمريكية (AERA)، إلى أن الانقطاع عن الدراسة لفترات طويلة يؤدي فقدان التعلم والنسيان، كما أشارت الدراسات إلى أن إجازة الصيف الطويلة أيضا تؤدي إلى فقدان التعلم، فخسارة الصيف تساوي حوالي شهر واحد على مقياس معادل على مستوى الصف، أو عُشر الانحراف المعياري بالنسبة إلى درجات اختبار الربيع، كما كان تأثير العطلة الصيفية أكثر ضررًا للرياضيات منه للقراءة والأكثر ضررًا لحساب الرياضيات والتهجئة.
ومع انطلاق العام الدراسي الجديد 1444 - 1445هـ؛ تعود إلى الساحة النقاشات التي أثيرت مع إعلان وزارة التعليم استمرار الدراسة على نفس هيئة العام الفائت وهي تقسيم العام إلى ثلاثة فصول دراسية مع تقليل الإجازات الطويلة والاعتماد على إجازات نهاية الأسبوع الطويلة أو ما يطلق عليه long weekend .
وحتى يكون حكمنا منطقياً لهذه المشكلة يجب أن نعود إلى بداية هذا المقال والربط بين المدة ومستهدفات التعليم، فتوجه الدولة وقادتهم -حفظهم الله- نحو إكساب الطلاب المهارات اللازمة لسوق العمل والحياة، إلى جانب المعرفة الأساسية تجعلنا نتساءل هل ثلاثة فصول أفضل؟ أم فصلين اثنين؟
منذ انطلاق التعليم النظامي في المملكة العربية السعودية وهو يقوم على نظام الفصلين الدراسيين مع اختلاف مدة عطلة نهاية الفصل الأول والتي كثيرًا ما كانت ترتبط إما بموسم رمضان أو موسم الحج، وتليها إجازة نهاية العام الدراسية والتي كانت تقارب الأربعة الأشهر في كثير من الأحيان، حتى فترة تعليق الدراسة والتوجه نحو التعلّم عن بعد اعتمدت أيضاً على الفصلين الدراسيين.
وتختلف عدد أيام الدراسة في دول العالم حسب التقويم الدراسي لكل دولة، ويعد عدد أيام الدراسة في اليابان هو الأكثر بين دول العالم، وتأتي الولايات المتحدة وألمانيا ضمن أقل عدد أيام دراسية بين دول العالم، ويبلغ عدد أيام الدراسة في اليابان 230 يوماً، والصين220 يوماً، وكوريا الجنوبية 220 يوماً دراسياً، وروسيا 210 أيام، وأستراليا 200 يوم. فيما يبلغ عدد أيام الدراسة في المملكة العربية السعودية في هذا العام الدراسي 185 يوماً.
وهناك العديد من الفوائد المهمة التي يجنيها الطلاب والمعلمون من تطبيق نظام الفصول الثلاثة وهو ما أوضحته وزارة التعليم في إعلانها عن تطبيق هذا النظام، حيث أشير إلى أن نظام الفصول الدراسية الثلاثة، يحقّق جملةً من المزايا والأثر الإيجابي الذي يسهم في رفع كفاءة العملية التعليمية بمنظومتها الكلّية التي تشمل الطلبة، وأولياء الأمور، والمعلمين والمعلمات، حيث يسهم النظام في تحسين الأداء التعليمي للطلبة، والحفاظ على التراكم المعرفي لديهم، إلى جانب دعم مهاراتهم، وممارسة أنشطة لا صفية متعددة، كما تمكّن الفصول الثلاثة أولياء الأمور من الوقوف على مستويات الأبناء التعليمية بعد الاطلاع على تقييمهم خلال ثلاثة فصول، وإتاحة الوقت الكافي لمشاركتهم في الأنشطة والفعاليات الوطنية والاجتماعية والثقافية، وكذلك رفع مستوى التفاعل وتكامل الأدوار بين المدرسة والأسرة.
ويسمح النظام الجديد للمعلمين والمعلمات بإعطاء مؤشر لأداء الطلاب والطالبات في كل فصل دراسي، مما يُتيح الفرصة لعلاج المشكلات التي تواجههم، إلى جانب زيادة فرص التحسين وإكساب المعلمين والمعلمات تطويراً مهنياً يتناسب مع تطوير المناهج الدراسية، كما يعزِّز نشاط المعلمين والمعلمات والطلاب والطالبات في آنٍ واحدٍ، حيث تُعد الإجازات التي تتخلل الفصول الدراسية بمثابة ترويحٍ للنفس والراحة لاستعادة الطاقة والنشاط.
وحتى يتم جني فوائد هذا النظام نحتاج إلى خطة متكاملة لإدارة هذا التغيير الذي أصبح واقعاً حقيقياً مع انطلاق الفصل الدراسي الأول لهذا العام الدراسي بحيث تشمل هذه الخطة جميع عناصر العملية التعليمية داخل وخارج المدرسة، وكذلك تعظيم دور الأسرة والمجتمع، والأهم من ذلك تحليل نتائج مخرجات الفصول الدراسية أولاً بأول وعرضها على الخبراء وقياسها بالنتائج المماثلة في الدول التي تطبق نفس النظام، وأيضاً مقارنتها مع نتائج الطلاب قبل كورونا.