سارا القرني
أوصت أعرابيةٌ ابنتها فقالت: أي بنية، إنك فارقت بيتك الذي منه خرجتِ، وعشك الذي فيه درجتِ إلى وكر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فكوني له أمة، يكن لك عبدًا، واحفظي له عشر خصال، يكن لك ذخرًا: الأولى والثانية: فالصحبة بالقناعة، والمعاشرة بحسن السمع والطاعة.
الثالثة والرابعة: فالتعهُّد لموقع عينيه، والتفقُّد لموضع أنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح، الخامسة والسادسة: فالتفقُّد لوقت طعامه، والهدوء عند منامه؛ فإن حرارة الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة، السابعة والثامنة: فالعناية ببيته وحاله، والرعاية لنفسه وحشمه وعياله، وملاك الأمر في المال حسن التدبير، التاسعة والعاشرة: فلا تُفشي له سرًّا، ولا تعصي له أمرًا، فإنك إن أفشيت سرَّه، لم تأمني غدره، وإن عصيت أمره، أوغرت صدره، ثم اتقي مع ذلك الفرح إن كان حزينًا والاكتئاب عنده إن كان فرحًا، فإن الأولى من التقصير، والثانية من التكدير، وكوني أشد ما تكونين له إعظامًا، يكن أشد ما يكون لك إكرامًا، وأشد ما تكونين موافقة، يكن أطول ما يكون لك مرافقة، واعلمي أنك لا تصلين إلى ما تحبين؛ حتى تؤثري رضاه على رضاك، وهواه على هواك فيما أحببت وكرهت، والله يخير لك.
المرأةُ سرّ زوجها وأُنسُ قلبه، عونهُ وشطره، لا يصلحُ بيتٌ فيه زوجةٌ مهملة، ولا تصلحُ حياةٌ فيها زوجٌ متواكل، والمعاشرةُ منذ قديم الزمان درجت على أساسات لا تتجزأ، الأخلاقُ فيها أولاً، ومن بعدها يأتي كلّ شيء، وحُسن المعاملة خُلقٌ يبحث عنهُ الرجال.. ولا تتنازل عنهُ أيّ امرأةٍ مهما كانت بيئتها.
في البيوت قديماً.. كان الرجلُ سيّد بيتهِ لا لذكورته، بل لرجولته، وكانت المرأةُ سيدة بيتها لا لاستبدادها، بل لعقلها، ومن زمنٍ إلى آخر تبدّل الحالُ، وصار الرجلُ يطلب سيادتهُ من امرأةٍ لا ترى فيه سنداً ولا عائلاً ولا ظلاً، لأنهُ لم يقدّم ما يشفع فلا حقّ لهُ فيما يطمع!
يشكو الرجالُ من نساءٍ لا يحترمن.. وزوجاتٍ لا يقدّرن، متذمراتٍ لا يقنَعن أو ناقماتٍ لا يرضين، وتشكو النساء من رجالٍ مهملين.. وأزواجٍ مزاجيين، متقلّبون في الرأي، وملولين في المعاملة، وبين هذا وهذا تمضي الحياة!
السفينةُ التي لا تفاهم بين طاقمها تغرق، والحياةُ التي لا تناغم فيها تفشل، كم من بيوتٍ قامت على التنازلات بودّ، والتضحيات بتفهّم، وكم منها هُدِم بالعناد والتعصب للرأي الواحد، على المرأةِ أن تفهم أن الرجل شريك حياةٍ لا جنّي مصباح عليه تحقيق كلّ الأمنياتِ ممكنها وعصيّها، وعلى الرجل معرفة أنّ المرأة رفيقة دربٍ لا قطعة أثاثٍ رأيها لا يهمّ ونظرتها لا تشكِّل فارقاً، لها ما لهُ وعليها ما عليه، لا زوج كعبهُ أعلى إلا «بما فضّلهُ اللهُ به وبما أنفق»، فالتكافؤ مكفول.. والمساواةُ موجودة لمن لهُ قلبٌ أو ألقى السمع!
لا تقُل أنا أعمل وأُعيل.. فهي كذلك تربّي وتصبر، ولا تقُل هي تشكو وتتذمّر.. فأنت ترغب وتتطلّب، الحياةُ الزوجية ليست سباقاً على نقاطٍ تحرزها، بل تطلّع إلى شريكةٍ ترضيها فترضيك، وهي معتادةٌ على العطاء أكثر، فإذا أعطيتها دقيقاً أعطتك خبزاً، وإذا منحتَها عاطفتك منحَتْكَ أبناءً، وإذا قدّمتَ لها عسلاً قدّمت لك كعكاً، فكلّ ما تمنحهُ المرأةِ تردهُ لك مضاعفاً، فانظر ماذا تقدّم لها قبل أن تنظر إلى ما تأخذ منها!
واعلم أنكما في الأجر سواء وإن جاهدت، وفي القبولِ سواء وإن فُضِّلْت، جاءت أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية يومًا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقالت له: «إني رسولٌ من ورائي جماعة من نساء المسلمين كلهن يَقُلْنَ بقولي وعلى مثل رأيي، إن الله بعثك إلى الرجال والنساء، فآمنَّا بك واتبعناك، ونحن معشر النساء مقصورات مخدرات، قواعد بيوت، ومواضع شهوات الرجال، وحاملات أولادهم، وإن الرجال فُضِّلُوا بالجمعات، وشهود الجنائز والجهاد، وإذا خرجوا للجهاد، حفظنا لهم أموالهم، وربَّينا أولادهم، أفَنَشَاركهم في الأجر؟» فالتفتَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بوجهه إلى أصحابه، وقال: «هل سمعتم مقالة امرأة أحسن سؤالاً عن دينها من هذه؟ فقالوا: بلى والله يا رسول الله، فقال رسول الله: انصرفي يا أسماء وأعلِمي مَن ورائك مِن النساء، أن حسن تبعُّل إحداكنَّ لزوجها، وطلبها لمرضاته، واتِّباعها لموافقته، يعدل كل ما ذكرت».