جانبي فروقة
وهو مصطلح يطلق على اللحظة التي يدرك فيها الناس أو الدول أنهم (Sputnik Moment) لحظة سبوتنيك مهددون بالفشل إذا لم يتم رفع مستوى التحدي ومضاعفة الجهود للحاق بركب المنافسين. ويعود أصل التسمية إلى اسم أول قمر صناعي (سبوتينك 1) أطلقه الاتحاد السوفيتي عام 1957م مما جعل الولايات المتحدة الأمريكية تدرك في ذلك الوقت أنها متأخرة في سباق غزو الفضاء مقارنة بغريمها المباشر مما أدى إلى مضاعفة الجهود التي تكللت بوصول أول رائد فضاء أمريكي يمشي على سطح القمر وهو نيل أرمسترونغ عام 1969م.
أدرك الحزب الشيوعي الحاكم في الصين أن الشرعية القائمة على الأداء هي الأمل الوحيد لإطالة أمد حكمه وكان النجاح حليفه باعتماده التنمية الاقتصادية كسياسة عليا خلال العقود السابقة واستطاع الحزب الشيوعي الحاكم تغذية الشعور القومي الصيني المتنامي والذي بات يشكل تحت المظلة الأيديولوجية والثقافية للنظام الشيوعي تهديدا للقيم والنظم الغربية وكما أن نمو اقتصاد التنين الصيني ليصبح ثاني قوة اقتصادية عالميا وتهديد المصالح الغربية جعل المواجهة تخرج من الظل إلى الأضواء وأتت لحظة سبوتنيك للقوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية مدركة مدى خطورة تنامي نفوذ التنين الصيني وبوجود الألغام الجيوسياسية في بحر الصين الجنوبي باتت المواجهة قريبة وما زيارة بيلوسي الأخيرة لتايوان إلا النقطة التي عكرت مياه المواجهة مع أمريكا وعلق تايلور فرافي لمن معه دماساتشوستس للتكنولوجيا: «قد ينظر المؤرخون جيدًا إلى صيف عام 2022 باعتباره اللحظة التي تحولات فيه العلاقات الأمريكية - الصينية من التنافس على الميزة النسبية إلى المواجهة العلنية، مع وجود مخاطر أكبر بكثير من الأزمات والتصعيد»..
ولحظة سبوتنيك الأمريكية في علاقتها مع التنين الصيني جعلت إستراتيجية الخارجية الأمريكية تتجه إلى التركيز على محاولة فك الارتباط الاقتصادي أولا مع أن الصين اليوم هي أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة الأمريكية وثالث أكبر سوق للتصدير لها وأكبر مصدر للواردات. وكما هو واضح تتبنى السياسة الأمريكية الخارجية إستراتيجية الغموض الاستراتيجي في الدفاع عن تايوان رغم اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالصين الموحدة.
ازدهرت تايوان من دكتاتورية عسكرية إلى ديمقراطية ليبرالية ثرية وهي تضم 24 مليون شخص ونجاح تايوان السياسي والاقتصادي هو توبيخ ضمني للنظام الاستبدادي في الصين وعرض الصين الخاص لـ»دولة واحدة بنظامين» لا يلق ترحيبا من قبل تايوان وأمريكا بسبب سجل الصين في هونغ كونغ بعد أن سيطرت عليها وبدأت بقمع الحريات هناك إن اختبار تايوان هو نقطة إستراتيجية ومهمة في السياسة الأمريكية الخارجية لإثبات قوتها ومكانتها في بحر الصين الجنوبي ومساندة حلفائها الاستراتيجيين من أستراليا واليابان وغيرهما ولا سيما أن أمريكا تدخلت مرتين في خمسينات القرن الماضي لمنع الغزو الصيني للجزيرة وتطور الجزيرة ديمقراطيا وقوتها في إنتاج أشباه الموصلات زاد من أهمية حمايتها ورغم أن تايوان تحتل المرتبة الثامنة في التبادل التجاري مع أمريكا إلا أن 42 في المائة من صادرات تايوان تذهب إلى الصين وأمريكا تشكل فقط 15 في المائة من صادراتها و22 في المائة من واردات تايوان من الصين أيضا مقابل 10 في المائة من أمريكا لذلك وضع تايوان حرج بين المطرقة الصينية والسندان الأمريكي.
قام لي تنغ هوي زعيم الحزب القومي التايواني في عام 1995م بزيارة الولايات المتحدة الأمريكية عندما سمح الرئيس بيل كلينتون بهذه الزيارة لاغيا حظرا دام 15 عاما كان مفروضا على زيارات القادة التايوانيين وأدى انتخاب لي في العام التالي في أول انتخابات رئاسية حرة في تايوان إلى استياء بكين وساهم ذلك في التوترات خلال الفترة 1996م (أزمة مضيق تايوان) حيث أجرت الصين مناورات عسكرية قبالة تايوان وأرسلت حينها – 1995 أمريكا سفنا حربية لردع العدوان الصيني. وبدأت التوترات بين الولايات المتحدة والصين بشأن تايوان بشكل متقطع منذ ذلك الحين.
بلورت استجابة بكين الدراماتيكية لزيارة بيلوسي خطورة هذه القضية فقد كان رد فعل الصين على الزيارة قويا ومتوازنا وصممت الصين على إظهار غضبها وقوتها مع تجنب التصعيد وقامت بمناورة لغزو تايوان والتي يرجح المحللون في واشنطن أنها ستقوم بذلك في العقد القادم ولكنها رسمت الآن حدود جديدة لتجاوزاتها في محاولة لفرض قيود جديدة أكثر صرامة على تعاملات الجزيرة مع بقية العالم. ولاحظنا رد الفعل عند شركات كبيرة مثل أبل الأمريكية حيث وجهت كل الموردين للرقائق من تايوان بعدم وضع ملصق صنع في تايوان على المنتجات واستبدالها بصنع في الصين كما أمر مسؤولون صينيون شركات أجنبية بما فيها شركات الطيران التي تشغل رحلات جوية إلى الصين بتصحيح المواقع الإلكترونية التي تدرج تايوان كدولة وإزالة صور علم الدولة لجزيرة تايوان وأغلقوا الموقع الصيني لسلسلة فنادق ماريوت لمدة أسبوع كعقوبة لتصنيف تايوان كدولة في استبيان العملاء.
كان الرئيس الصيني شي جي بينغ قد تحدث عن «التجديد العظيم» للصين بحلول عام 2049م وهذا يعني عودة تايوان للبر الرئيسي.
ومما لا شك فيه أن الرئيس الصيني شي جي بينغ ينتظر الانتخابات النصفية للكونغرس الأمريكي في نوفمبر القادم والانتخابات الرئاسية الأمريكية في 2024م مع نتائج الغزو الروسي لأوكرانيا لرسم تحركاته القادمة تجاه ضم الجزيرة والواضح أن تايوان تحتاج أيضا إلى تبني إستراتيجية دفاعية جديدة تجعلها صعبة الهضم في معدة التنين الصيني وسياسة الغموض الاستراتيجي للسياسة الأمريكية تلقي ظلال الشك على طموحات الرئيس شي جي بينغ في الاستيلاء على تايوان مما يدفعه للتريث والتمهل فقضية أوكرانيا أثبتت أن النصر السريع ممتنع ومحكوم بالفشل وقد يتحول لصراع طويل الأمد وسيكون له عواقب وخيمة في الداخل الصيني تزعزع قبضة الرئيس شي على السلطة.
في مايو الماضي وصف وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن الصين بأنها أخطر تحد طويل الأمد للنظام العالمي, وقال أيضا إن واشنطن مصممة على تجنب الصراع وأوضح أن الركائز الثلاث لإستراتيجية إدارة بايدن هي الاستثمار في الصناعة المحلية والتكنولوجيا والبنية التحتية والتحالف مع الحلفاء لمواجهة العدوان الصيني المتزايد ومنافسة الصين عالميا ونددت وزارة الخارجية الصينية بخطاب بلينكن ووصفته بأنه معلومات مضللة معلنة أن الصين هي الوصي على النظام الدولي.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد دعت الناتو (حلف شمال الأطلسي) إلى إعلان الصين «تحديا أمنيا» نتيجة تحديث ترسانته العسكرية والنووية وطموحات الصين المعلنة وسلوكها الذي يمثل تحديا للنظام الدولي.
قال الفيلسوف برتراند راسل «الحياة ليست إلا منافسة يريد فيها كل منا أن يكون المجرم لا الضحية».