ومن لا يعرف الزعير من أهل نجد إنه ذكور الجراد التي في زمن مضى عندما تغير على البلاد مع المكن التي هي إناثها تسد عين الشمس لكثرتها, وهي تلتهم الأخضر واليابس, ولا تترك نبتة ورقة خضراء إلا جعلتها كعصف مأكول, بل إنها تأكل حتى أبواب البيوت الخشبية والثمار بأنواعها وجميع الغروس, وكان الناس يتصايحون عقب صلاة الفجر بقولهم (يا جراده. يا جراده ) أي هلم إلى الخلا ولنعيد الجراد وكانوا يتلذذون بأكل الممكن منه بل ويشربون من الماء الذي طبخ فيه, والبعض منهم ينشره في الشمس وعند ما يجف يحفظونه ليضعوه في الأكلات الشعبية مثل المرقوق والمطازيز, والبعض يدقونه ثم يسفونه سفاً عند الحاجة أو الجوع.
ومع أن الغالبية ولاسيما أهل الزروع البسيطة يتضررون منه, فإن البعض الآخر يترزق من بيع ما يصيد, ويعتقدون أن فيه دواءً لأنه يأكل كل شيء أخضر, وهو طائر طاهر محبب إلى النفوس في ذلك الزمان نظراً لندرة اللحم حيث يقوم مقامه, ولدينا مثل في نجد يقول (إذا جاء الجراد أنثر الدواء وإذا ظهر الفقع صر الدواء) لأن الفقع على لذته وطيب مطعمه خاصة الزبيدي منه, إلا أن الخلاسي منه يكون فيه رمال وبالتالي يؤثر على الكلى, ومن هنا جاء هذا المثل حيث معناه إنه عند مجيء الجراد قبل البدء في مكافحته برش السموم فأنت لا تحتاج إلى دواء فأنثره يعني تخلص منه, وعند موسم الفقع أفضل العكس صُر الدواء أي احتفظ به لأنك سوف تكون بحاجة إليه فهو يستخرج من التربة وتصاحبه بعض الرمال والأتربة التي تكون ضارة, وقد كان الجراد يباع في منطقة المقيبرة في مدينة الرياض قرب قصر الحكم إلى وقت قريب - أي قبل ثلاثين عاماً وأقل أو أكثر وكان الناس يتهافتون على شرائه.
أخلص بعد هذه المقدمة الطويلة إلى لب المقال والقصد وهو أني في يوم من الأيام وذلك قبل سنوات, كنت خارجاً إلى بيت من بيوت الله وإذا بي أرى العديد والعديد من عمال أمانة مدينة الرياض الذين كانوا يعتمرون البدل الصفراء تمييزاً لهم وشعاراً لمهنتهم, ينتشرون في شوارع الحي الذي أقطنه بشكل لافت ومثير للدهشة والاستغراب, وكتبت عن هذا مقالاً في حينه معبراً عن دهشتي من هذه الأعداد الغفيرة المتواجدة في شوارع الحارة تقوم بمهام النظافة بكل جدية وتملكتني الحيرة, ما السبب في هذا الانتشار المكثف الذي لم نعتد عليه وهذا التنظيف الجاد؟ بل إننا في هذه الأيام لم نعد نرى أحداً منهم البتة، وأصبحت الرياض التي كان يضرب بها المثل في النظافة تعاني شوارع كثيرة من أحيائها من الأتربة والأوساخ فأعيدوا لنا مجد زعيرنا وفقكم الله فنحن نحب الجراد ونحب زعيره والله من وراء القصد.