السالكون في طريق النجاح والإبداع.. يعلمون أنه طريق مليء بالصعاب كثير المشاق علو وانحدار، ضيق واتساع ويدركون حقيقة الكلام ومختصر البيان أن لكل ناجح محاربين أخفياء وآخرون أعلنوا العداء كما، أنهم موقنون تمام اليقين بأنه متى ما بدا نجمهم بالسطوع واللمعان فلا بد من تلقيهم سهام حربها الضروس قمع تفوقهم وإطفاء بريقهم بطريقة هي أقرب ما تكون لطيفة رقيقة ترتدي ثياب النصح وهي في الحقيقة تحطيم وتحجيم! نعم هي سهام قاتلة.. تنطلق من أفواهٍ تمضمضت بعلقم الحقد والحسد، أو بمرارة السفه والجهل..
فن التحطيم فن تمرّس عليه العديد ممن امتلأت أجسادهم حسداً وحقداً لكل نجاح حتى وإن لم يكن له تأثير على مسيرتهم أو احتكاك بهم من قريب أو بعيد!
الإحباط والتقزيم كلماتٌ.. تقتل الطموح وتغتال الآمال. كلماتٌ.. تفل العزيمة وتكسر الهمم، وتدفن النبوغ وتئد الإبداع كلمات لا مسؤولة.. تفتقد لأدنى درجات التعقّل والإدراك.
كلماتٌ.. تُغَيب الضحكةَ المبتهجة، وتغتالُ البسمةَ والفرحة، وتولّد الأسى والدمعة.
الإنسان كاللوح الزجاجي تماماً، يولد نظيفاً، لكن الأيدي التي تمر من فوقه إما أن تساهم في تلميعه وجعله براقاً وناصعاً، أو تلوثه بالبصمات الدسمة، والتي تترك أثراً على سطح الزجاج فتشوه وجهه، كذلك الإنسان والذين حوله، فإما أن يؤثّر بهم أو يتأثر هو، والبعض يجد في الإنسان الناجح وجبة دسمة لتشويهها وتفتيتها والأكل منها، فيكون شغلهم الشاغل هو تفتيت معنوياته وتحطيم مشروعه ووأده في مهده..! وليس غريباً أن يكون من يتعمد تحطيمك سواء بقصد أو دون قصد هم أقرب المقربين إليك، كأصدقائك، أخوتك، عائلتك، المدرسين في مدرستك، جامعتك، قد يحطمونك بكلمة أو فعل أو همز أو لمز، تارة بتقزيم مشروعك وتثليبه وتارة بكتابة قائمة بالعقبات والتحديات المستحيلة من أجل أن تبقى على ذات البقعة التي تقف عليها، دون أن تتحرك أو تتقدم خطوة للأمام!
كم جنى التحطيم على المجتمع وعلى الأفراد من خسارة لطاقات كامنة وقدرات رائعة لو استُثمرت وطُوّرت لأبدعت ونفعت المجتمع نفعاً عظيماً؟
كم هو عدد المواهب التي دفنت في ريعان شبابها بسبب سهام التحطيم والتدمير؟
والعجب كل العجب ليس ممن امتلأت قلوبهم حسداً وحنقاً على زملائهم المبدعين الطامحين فهؤلاء قد بان سبب فعالهم واتضحت دوافعهم ولكن العجب ممن اتخذ التحطيم بضاعته وعادة لا تفارق حديثه وأسلوبه ونقده، فما إن يتم عرض الفكرة إلا وينبري لها كمدقّق ومحلِّل ومثبّط ومخذّل - هذه لا تصلح للتطبيق وهذه كبيرة على قدراتك وإمكاناتك وتارة لن تجد من يصغي إليك ومرة سبقك غيرك ولم ينجحوا - ويظل به الحال كذلك حتى يتأكد من أنها رميت في سلة المهملات. هذه العينات موجودة للأسف في مجتمعنا وعلى قنوات تواصلنا لا يكلّون ولا يملون شغلهم الشاغل البحث عن انتقاد واستنقاص واستعابة لكل فكرة جميله قد يكون منشؤها تفكير شاب مبدع ما زال في أول الطريق ويحتاج إلى تشجيع وتحفيز.
هذه الجريمة -جريمة التحطيم - هي في الحقيقة في ازدياد واستعار ولا بد من مقاومتها.. بالنصح والتوجيه، والتبصير والتنوير.. ليسلم المحطَّمون من سهام المحطِّمين، وليصنعوا منها سلالم الرقي في سماء المعارف ولنصنع مبدعين مبتكرين، فرب كلمة تشجيع وتحفيز تصعد بمتلقيها إلى أن تُخرج لنا عالماً لا يشق له غبار ومبدعاً يعانق الغمام ويلامس السماء، ورب سهم تحطيم يقتل نفساً مبتكرة ويئدُ فكرةً ناجحة، فالخطاب موجه للآباء والأمهات تجاه أبنائهم وللمربين والمعلمين في مدارسهم وللقادة والموظفين في أعمالهم: أحسنوا القول والتشجيع وكونوا أداة بناء لا معول هدم وتحطيم...، لا بأس أن يكون هناك نقد موضوعي يرفع مستوى الوعي وينمي الفكرة بأسلوب جميل لطيف بعيداً عن الاستنقاص والتجريح والتحطيم، فالإمام مالك جوهرة أخرجتها -بإذن الله - يد ربيعة الرأي، والشافعي صنيعة من صنائع وكيع، وابن القيم حسنة من حسنات شيخ الإسلام ابن تيمية في سلاسل من البشر، توماس ألفا إديسون ( Thomas Alva Edison) المخترع الشهير الذي قدم للبشرية أعظم اختراع هو الكهرباء، لما كان في الثامنة من عمره عاد إلى البيت من المدرسة وهو يشعر بالأسف، لأن معلمه كلفه بتسليم مذكرة إلى والديه، فقرأتها أمه أمام نظرات وابنها المترقبة لمحتوى المذكرة! فقالت له: (المعلم يقول لي: ابنك عبقري، وهذه المدرسة متواضعة جداً بالنسبة له، وليس لدينا معلمون يصلحون لتعليمه، من فضلك علميه في البيت). فقرَّرت الأم أن تعلّمه بنفسها، حتى صار أديسون ذاك المكتشف الشهير في العالم كله، ظفر أديسون بالرسالة بعد وفاة أمه فلما قرأها بكى! فالرسالة كانت تقول: (ابنك غبي ولا يصلح للتعلّم)، فمن كان سيكون «أديسون» لو أن أمه أخبرته بالحقيقة وحطمته من ساعته؟!
سيذكر التاريخ يوماً أنك صنعت مبدعاً واكتشفته وأبرزته وشجعته حتى بزّ - بتوفيق من الله - من بين أقرانه وصار علماً يشار إليه بالبنان. حينها سيُقال: رحم الله من رباه وعلمه، وأدبه ووجهه..