تؤدي المملكة دوراً محورياً في الجهود العالمية، انطلاقاً من إدراكها للتحديات التي تواجه إنسان العصر الحالي، فهي تعمل محلياً على رسم اقتصادٍ مزدهر من خلال رؤيتها 2030، وتعمل وتناقش وتبادر مع الدول الصديقة من أجل المحافظة على بيئة الإنسان الذي يُعد مستهدفها الأول.
وبصفتها إحدى أهم الدول المنتجة للطاقة فقد التزمت المملكة وباقتدار في المساهمة الفعَّالة بالكفاح العالمي ضد تغيّر المناخ، وقدمت مبادرة السعودية الخضراء، وهي واحدة من طموحات المملكة نحو الريادة العالمية في مجال الاستدامة التي يؤكد سمو ولي العهد على أنها ستوفر فرصاً استثمارية ضخمة للقطاع الخاص، وفرص عمل نوعية للجيل المقبل، إضافة إلى تعزيز العلاقات الدولية التي ستترك تأثيراً إيجابياً في المنطقة والعالم.
وهذا المبدأ وإن بدأت تعمل عليه وتتبناه القطاعات الحكومية، إلا أن أفكار وجهود الشباب السعودي مطلوبة، وهي أساسية من خلال تقديم الابتكارات الصناعية التي تُسهم في بسط البيئة الخضراء، وتقديم كل ما يخدم البيئة بما فيها مواجهة التلوث الصناعي والاستفادة من رجيع المصانع، حيث إن مفهوم الصناعة الخضراء يؤكد على ضرورة تأمين الإنتاج مع المحافظة على صحة الإنسان وتلبية احتياجاته الإنسانية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية دون الإضرار بالبيئة والموارد الطبيعية، وذلك من خلال الاستثمار الأمثل للموارد المتجددة الحد من المخلفات، وإعادة الاستخدام والتدوير للتقليل من التأثير السلبي على الصحة والبيئة وتحسين كفاءة الطاقة؛ مما يؤدي إلى المحافظة على الموارد الطبيعية، وكذلك الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة اعتماداً على استخدام تقنية متوافقة مع البيئة.
كما أن الدراسات العلمية توصلت إلى أن المساحات الخضراء تؤثّر على نفسية الإنسان، وتعمل كمخفف لحالات التوتر والقلق، وتنشر روح التعاون والاطمئنان، بالإضافة إلى أن النباتات تسهم بنسبة كبيرة في عملية تزويد الهواء بغاز الأكسجين في المدن، وأي نقص مهما كان طفيفاً في نسبة أكسجين الهواء قد يسبب ارتفاعاً كبيراً بنسبة غاز الكربون؛ مما يُزيد الاحتباس الحراري الذي يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض.
ورغم المعاناة العالمية من المشاكل البيئية التي تُعد الصناعة أحد أبرز مسبباتها؛ إلا أن السعودية أخذت خطوات متقدمة في مجال الصناعة الخضراء، فقد شهدت تحولاً جديداً مع إطلاق سمو الأمير محمد بن سلمان في يناير 2019 برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية ضمن رؤية المملكة 2030، والذي يحتوي على 330 مبادرة ستُحقق أكثر من ثلث مستهدفات الرؤية، ويركّز البرنامج على الجيل الرابع من الصناعة الذي يتضمن التطبيقات الروبوتية المتقدمة، ويقدم عدداً من المبادرات لجذب الاستثمارات الأجنبية من أجل دعم الصناعات النوعية، ورفع رأس مال الصندوق الصناعي لـ105 مليارات ريال، ويهدف إلى استقطاب ترليون و600 مليار ريال من الاستثمارات.
ومؤخراً أعلنت وزارة الصناعة والثروة المعدنية أن عدد المصانع الوطنية وصل إلى 9.049 مصنعاً، تُشكّل ما نسبته 85 % من إجمالي عدد المصانع، وبحجم استثمارات يقدّر بـ832 مليار ريال، فيما بلغ عدد المصانع المشتركة قرابة 787 مصنعاً تُشكل 7 % من إجمالي المصانع، باستثمارات تُقدر بأكثر من 464 مليار ريال، في حين بلغ عدد المصانع ذات الاستثمار الأجنبي بالمملكة 839 مصنعاً حتى نهاية مايو الماضي 2022، وتمثل ما يقارب 8 % من إجمالي عدد المصانع، باستثمارات تقدر بما يزيد على 65 مليار ريال.
هذه الإحصاءات والتقدم الصناعي السريع والمذهل في المملكة يجعلنا نحرص أكثر على تبني مشاريع عملاقة ذات ابتكارات مُميزة وتنافسية عالمية ذات جودةٍ عالية، على أن تؤخذ من ثروات وطبيعة بلادنا.
ومن أبرز المشاريع العملاقة اتجاه المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة بقيادة المهندس عبدالله العبدالكريم إلى استثمار الرجيع الملحي الخارج من عمليات تحلية المياه في جميع محطاتها، حيث تنتج التحلية نحو (4) مليارات متر مكعب من المحلول الملحي بشكلٍ سنوي، وهي فرصة استثمارية قيمة بسبب التراكيز العالية التي يحتويها من الأملاح والمعادن: كالماغنيسيوم، والكالسيوم، وكلوريد الصوديوم، وكذلك البرومين، والليثيوم، بالإضافة إلى البوتاسيوم.
وهنا يأتي دور الاختراعات والابتكارات الوطنية في المساهمة بتحقيق الطموحات والتطلعات للمؤسسة العامة لتحلية المياه، خاصةً جهودها الواضحة من خلال البرامج والتقارير التي أكدت قوة مساندتها لهذا الجانب وتغذيته بطريقةٍ علمية وبأحدث الأساليب التي تسهم وبفعالية في دعم ريادة المملكة بمجال الاستدامة العالمية وتحقيق جزء من أهداف الرؤية والمساهمة أكثر وبعمق في العمل على الاستفادة من الرجيع الصناعي في توفير الإنتاج النظيف مع استدامة البيئة الصناعية الخضراء.
ورغم وجود البرامج التي تهدف إلى إيجاد فرص استثمارية في قطاع تحلية المياه، وبما يتماشى مع رؤية 2030 للوصول إلى اقتصاد مزدهر، إلا أن دور ومساهمة القطاع الخاص أيضاً في تقديم مشاريع مفيدة ونظيفة تستغل عائدها (رجيعها) في منتجات صناعية جديدة، وذلك في ظل توفر خدمات المختبرات والأبحاث والتطوير والتقنيات المساعدة للمشاريع.
إننا لا نحتاج إلى محاكاة الدول المتقدمة بقدر ما نحتاج إلى التعاون والتكاتف مع كافة الجهات الحكومية وتقديم المبادرات النوعية والمبتكرة من قبل القطاع الخاص والشباب السعودي؛ لأجل ترسيخ ثقافة التعاون الصناعي وتعميق جهودنا الصناعية بما يُحقق تطلعات ولاة الأمر ويدعم رؤية المملكة 2030 بشكلٍ يُعمق ريادتنا في مجال الاستدامة العالمية.