محمد سليمان العنقري
لعل أزمة جائحة كورونا وتداعياتها السلبية هي أصدق تعبير عن القول الشهير من رحم الأزمات تولد الفرص لأنها تكشف عن ثغرات وخلل وقصور في حجم إنتاج قطاعات معينة بالإضافة لكونها اختباراً رئيسياً لجاهزية كافة القطاعات للتعامل معها ومن أهم ما ظهر من قصور عالمي بأزمة كورونا هو حاجة الكثير من الدول للتوسع بإنتاجها الصناعي بأنشطة عديدة سواء صناعات طبية أو غذائية أو قطع غيار وغيرها ممن تصنف كاحتياجات أساسية فقد استفاق العالم مع الإقفال الكبير الذي صاحب بدايات تفشي الفايروس على حقيقة أن 30 بالمائة من الإنتاج الصناعي العالمي يصنع في الصين مما وجه أنظار الدول لضرورة رفع حجم إنتاجها الصناعي خوفاً من تعطل سلاسل الإمداد مستقبلاً وهي معاناة يعيشها العالم اليوم بعد الجائحة وفي المملكة كسائر الدول ذات الاقتصادات الواعدة فإن الاتجاه للصناعة قائم وليس وليد هذه الأزمة فقد أطلق برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية بداية عام 2019 أي قبل الجائحة كأحد أهم برامج رؤية 2030 الذي يهدف للتكامل بين أربعة قطاعات رئيسية هي الصناعة والتعدين والطاقة والخدمات اللوجستية.
وحالياً تخطى عدد المصانع بالمملكة عشرة آلاف مصنع وأغلب نسب النمو بعددها جاءت في السنوات الثلاث الأخيرة أي بعد إطلاق البرنامج لكن الطموح هو أبعد مما تحقق فعند النظر لنشاطات أخرى في قطاع الخدمات كالمطاعم والمقاهي مثلاً فإن نسب نموها أعلى بكثير وتوجه رواد الأعمال لها أوسع مع سوق يبلغ حجمه قرابة 85 مليار ريال، حيث ينفق يومياً أكثر من 210 ملايين ريال في هذه الأنشطة وقد ينظر لها بأنها أكثر سهولة في التأسيس لكنها أيضاً تزداد أعدادها بوتيرة سريعة وهناك أيضاً إقفال لبعضها بسبب شدة المنافسة، فنمو الطلب عليها لن يكون إلى ما لا نهاية بينما في مجال الصناعة فإن الفرص كثيرة وواعدة جداً خصوصاً مع إقرار نظام الاستثمار التعديني وغيرها من مجالات الصناعة وخدماتها التي برزت بعد الجائحة، كما يتم تقديم فرص بمجال الصناعة أمام المستثمرين المحليين وبحوافز متنوعة خصوصاً عبر برنامج تطوير الصناعة الوطنية الذي يُسمى اختصاراً «ندلب». ومن بين هذه البرامج التي قدمت لرواد الأعمال برنامج «ألف ميل» الذي أقيم له حفل قبل أيام مع أول جولة له، حيث يعرف البرنامج نفسه بأنه «يهدف إلى تمكين ريادة الأعمال في قطاع الصناعة والخدمات اللوجستية، للمساهمة في تحقيق طموحات رؤية المملكة 2030 عبر توفير حزمة من الممكنات والمحفزات لدعم الفرص الاستثمارية الواعدة».
فالفكرة تقوم على تقديم رواد الأعمال لأفكار أو دراسات أو لمشاريع قائمة عبر بوابة مخصصة لذلك ومن ثم يتم ترشيح عدد منها لمعسكر يمتد لمدة تتراوح حوالي ستة شهور يتم خلالها تطوير ما يتم تقديمه ووضع الحلول من تمويل أو أي خدمات يحتاجها من خلال شراكة ندلب مع جهات حكومية عديدة وشركات كبرى بالقطاع الخاص إضافة لجلوس رواد هذه الأفكار أو المشاريع مع خبراء وكذلك تقديم برامج تدريبية لهم وأيضاً عرض المشاريع على مستثمرين بعد تقييم شامل لتلك الأفكار ودراسات الجدوى لها فالبرنامج ينقلك بخطوات مدروسة عبر كل المراحل من كونها فكرة وليدة إلى أن تنضج وتتكامل مع تقديم كل الممكنات لها ولذلك أخذ اسم ألف ميل، فالتقديم على البرنامج متاح طوال الوقت أي ليس مقروناً بفترة معينة ويتم بعد ذلك الترشيح وأيضاً المتابعة مع بقية الأفكار حتى تصبح جاهزة للمراحل العملية للبرنامج، فالتوجه للصناعة بمختلف أنشطتها وخدماتها قد يكون هو الخيار الأفضل لرواد الأعمال بعد أن تم تذليل العقبات أمامهم ومعالجة أي قصور لديهم فقطاع الصناعة هو الذي سيعوّل عليه في تحقيق معدلات نمو مرتفعة بالناتج المحلي وكذلك توليد فرص عمل بأعداد كبيرة وزيادة بالصادرات غير النفطية، ففي الجولة الأولى لبرنامج ألف ميل تم ترشيح أكثر من 400 فكرة ومشروع بتكاليف تقارب 15 مليار ويتوقع أن تولد حوالي 35 ألف فرصة عمل وهي أرقام جيدة في مراحل جديدة من دعم نهوض قطاع الصناعة بالمملكة.
فعند النظر لما يتم حالياً من تركيز على رفع نسبة دور قطاع الصناعة بمختلف أنشطته طبية أو غذائية وغيرها وكذلك قطاع التعدين والطاقة والخدمات اللوجستية بالناتج المحلي فإن أفضل الفرص تتركز في هذه القطاعات ولسنوات طويلة إضافةً لما تم إقراره من أنظمة وتشريعات وما اعتمد من ممكنات سواء التمويل أو تهيئة المدن الصناعية فمن المهم توجه رواد الأعمال لاستكشاف هذه الفرص والاستفادة منها في سوق ونشاط واعد وعدم التركيز على قطاعات قد تكون تشبعت بمعدلات النمو فعالم اليوم يتجه للصناعة واستخدمات الذكاء الاصطناعي فيها والمملكة طورت بالبيئة الجاذبة للصناعة واستكملتها ببرنامج تنمية القدرات البشرية من تأهيل وتدريب بالتعليم العام والعالي والذي يضم وزارة الصناعة كأحد أعضائه لتحقيق التكامل بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل وخصوصاً قطاع الصناعة.