منصور ماجد الذيابي
مع تجدّد الاشتباكات المسلّحة في العاصمة الليبية طرابلس بين قوات جهاز دعم الاستقرار برئاسة العميد عبدالغني بلقاسم وقوّات الكتيبة 777 بقيادة هيثم الباجوري, وهما قوّتان عسكريتان تنتمي إحداهما لحكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبدالحميد الدبيبة المنبثقة عن اتفاق جنيف, بينما تنتمي القوة الأخرى لحكومة فتحي باشاغا التي تشكّلت وكُلّفت من قبل مجلس النّواب الليبي, مع تجدّد هذه الاشتباكات ينزف الجرح الليبي مرة أخرى نتيجة لوصول المشاورات السياسية بين طرفي النزاع إلى عنق الزجاجة وإخفاق الأطراف الأخرى في تهدئة حالة التراشق السياسي بين حكومتي الدبيبة وحكومة باشاغا التي تحظى بدعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يسعى هو الآخر إلى الدخول في دائرة الصراع السياسي أملاً بأن يتمكن من تحقيق مكاسب سياسية قد تسمح له بالدخول إلى دائرة الصراع على النفوذ والمنافسة على السلطة السياسية في ليبيا التي عانت كثيراً من حالة التشرذم في القرار السياسي في بلدٍ أنهكته الحروب الأهلية وما آلت إليه هذه الحروب من فتح المجال أمام التدخل الأجنبي كما أوضحت في مقال سابق بعنوان «وصلت إلى ليبيا بعد خراب سوريا» عندما انتشرت آنذاك قوات الفاغنر الروسية للحصول على موطئ قدم لروسيا يسمح لها باستغلال الثروات الليبية تحت غطاء تقديم العون المساعدة.
كما لا ننسى تدخل القوات التركية بالأمس بالقريب خلال فترة الحرب الأهلية بين قوات خليفة حفتر والقوات التابعة لحكومة السراج التي تحالفت وتورَّطت آنذاك بالاتفاق مع تركيا في محاولة لإنقاذها من السقوط وتفادي أبعادها عن المشهد السياسي في البلاد. ونعلم جميعاً أن تركيا كانت أرادت خلال تلك الفترة الحصول على الغاز الليبي بثمن بخس دنانير معدودة مقابل الدفاع عن حكومة السرّاج والتواجد في المنطقة الليبية الغنية بالنفط والغاز.
وكانت حكومة عبدالحميد الدبيبة اتهمت حكومة باشاغا بإجهاض العملية التفاوضية ورفض إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في حين اتهمت حكومة باشاغا حكومة الوحدة الوطنية برفضها تسليم السلطة سلمياً لحكومته منذ شهر فبراير - شباط الماضي ما جعل جناح باشاغا يلجأ لتفجير الوضع عسكرياً كنتيجة حتميّة للضغوط التي فُرضت عليه من قبل مناصري باشاغا ومجلس النّواب الذي رشّح باشاغا وأوصله للسلطة, ومن هؤلاء الذين دفعوا بقوات باشاغا لتفجير الوضع هم عناصر تابعة لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر كما تقول بعض المصادر الليبية وبعض العناصر من فلول النظام السابق وكذلك عناصر ثورية أخرى في حين وجدت قوات دعم الاستقرار أن لا مخرج من هذا المأزق بعد فشل الحوار الأخير بينهما إلا بمواجهة تهديد قوات باشاغا العسكرية. وكانت مصادر ليبية ذكرت أن الاجتماع الأخير بين ممثلي الحكومتين كاد أن يفضي لصيغة توافقية وتسوية سياسية لولا انسحاب ممثِّل حكومة باشاغا في اللحظة الأخيرة من الاجتماع الذي انعقد في العاصمة الليبية طرابلس قبل أيام.
وكمراقب للشأن الإقليمي والدّولي, أرى أن هذه المناوشات والاشتباكات قد تسهم في تحقيق فرصة استثمارية عسكرية كبيرة لدول أجنبية وإقليميه كما أوضحت أيضاً في مقال سابق بعنوان «تركيا والاستثمار بالقدرات العسكرية في الأزمات الإقليمية».
يبقى أن أقول إن الوطن العربي لا يحتمل مزيداً من الجروح الدامية، إذ إن لديه من الأزمات السياسية والاقتصادية والكوارث الطبيعية ما يجعل الإنسان العربي في العراق وسوريا واليمن وليبيا والصومال والسودان يضيق ذرعاً بالحال التي وصلت إليها بلاده نتيجة للصراعات الداخلية على السلطة وكذلك التدخلات الخارجية التي تسعى لزعزعة الاستقرار ثم التغلغل في دول عربية من خلال بوابة الصراع على السلطة ومن خلال الإخفاقات المتكرّرة على طاولة الحوار بين الأطراف التي تغلّب مصالحها الحزبية الضيِّقة على مصلحة الوطن الكبرى. ولذلك نتمنى أن يصل الفرقاء في ليبيا إلى صيغة توافقية تعيد الأمل للشارع الليبي وتوقف نزيف الجروح الليبية وتقطع الطريق على التدخلات الإقليمية والأجنبية التي ترى بأن هذه الأزمات تفتح شهيتها للتوغل عسكرياً في البلاد العربية بهدف فرض هيمنتها لاحقاً على الشأن الاقتصادي والجيوسياسي, وعلى الهوية العربية الإسلامية كذلك.
وحينما تصدّع البنيان وزُلزِلت أركانه
تفجّر الصراعُ ما بين بكرٍ والتّغلبيّ الزيرُ
من ليبيا للشامِ فالعراقِ واليمن
حرائقٌ أوقدها الشيطانُ وابنه الصغيرُ