ليالي السبيعي
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها
صديق صدوق صادق الوعد منصفا
نادراً ما كانت تستوقفني بعض العبارات في الممرات والأمكنة العابرة في حياتي.
تسارع الزمن وغُبار أيامه دائماً ما كان يسرقني من محطاتي التي أحبها.
صمتُ طويلاً بعد وعثاء سفر.. لم يكن هناك ما يستجدي قريحتي وشعوري.
هذا المساء مررت مرور كرام على ذلك المقهى العتيق بروحه.. علني أجد عطر قهوة مختلفة تداعب خلايا رأسي المفتون بعوامل التعرية وتقلبات الأيام وحرارتها.. لكني وجدت عطراً من نوع آخر، هذا ما بدي ليفي بداية ذلك الممر الفاخر بعبق غريب وشجّي، ليس له مثيل.. كان عبوراً غير عادي.. بعد شارع هادئ وضوء خافت.. كراسي مبهمة وصور رحل الزمن ولم ترحل بتفاصيلها وجمال ذكراها. كان المكان يضج بالعابرين، كُنت أرى في أعينهم الذهول والحنين..
الصور، الكتب، أبيات الشعر، الأصدقاء من الزمن الجميل بتجاعيد ملامحهم وبياض شعرهم، كلها كانت مستفزة للمشاعر، محفزة على التركيز والاستدعاء لروحي.. لست أنا فقط بل كل عابر.!
لأول مرة في حياتي تكون فقرة القهوة عميقة وعظيمة في روحي وروح من حولي.
ففي حياتنا كل مكان نعبره هو كذلك يعبرنا.. ويبعث لنا رسائل بطريقة ما.. وهذا الأمر لا يستشعره الأمن كان له ذائقة خاصة سواء كانت أدبية أو حتى شعورية خاصة، حتى وإن كانت تلك الرسائل شاحبة نوعاً تصل إلينا..
هذه الصور وذكرياتها الراحلة ، وذلك الرسام المحمل بالكثير من الصور والشعور كنحنُ تماماً ، الموسيقى ، ونبرة الحنين التي تضج بها جدران قهوة ( دفعة ٨٩ ) ايقضت داخلي كثيراً من الاشجان والاحزان .. ذكرى جُسدت بكامل تفاصيلها لااكثر من اربعين عاماً .. لتبعث فينا الأمل بأصالة مؤسسيها .. ورقي مرتاديها .. وبأننا أمام عهد جديد يربط بين حاضرنا المشرق وبين ماضينا العريق .
رحلت من المكان بعد طول حديث تضج به روحي وصور علِقت في جدران قلبي .. فالصور كالناس فينا .. تحيا وتموت .. ولها يوم سعد ولها يوم بؤس .. تميتنا وتُحيينا .. كل الصور المعلقه على الجدران بعثت لي رسالة سامية .. كلها كانت ارواح ناطقه حتى وان غاب بعضُ أصحابها ورحلوا .. خضت تفاصيلها رغم صمت تلك البراويز وسوادها ..
كنت هذا المساء ملتمسة الشعور ومرتبكة .
عظيم العمر رحل ، وتلك الصور باقية بابتسامات أصحابها .. واناقة عصرهم وفكرهم . ما رأيته هنا كان ابداعُ فكري وروحي .. شمول لكل متع الحياة وزينتها وعبق ماضيها وحاضرها ..
لفتة /
الإبداع الفكري يمر بمرحلتين ، مرحلة الخزن ومرحلة المسير والبداية .. كل مبدع ومفكر يحتاج الى فكرةوعمل دائب ، يجمع المعلومات بعد الفكرة ويخزلها في عقله الباطن حتى تتخمر وتنضج .. ومن ثم تظهرعلى السطح ، ومن هنا كان منطلق ( قهوة دفعة ٨٩ )
فاصلة /
كل ماكان هُنا كان نسيماً داعب روحي واستفاض بحرفي واحياني .