سمر المقرن
يشتكي -الكثير- من عدم قدرتهم على التواصل مع الأطراف الأخرى وفهم الحقائق بصورتها المجرَّدة، فتنمو الخلافات وتتسع الاختلافات التي لا تصل إلى درجة التقارب، فإما أن يتغاضى أحد الأطراف «دون قناعة» أو تكبر الهوة ويستحيل التفاهم.
في تصوري الشخصي، أنه قبل بدء شكوى أيّ منّا بعدم وجود نقطة التقاء مع الطرف الآخر في أي موضوعٍ كان، سواء أساسي أو فرعي، فإن الإنسان بكل تركيباته ومكوناته بحاجة إلى أن يفهم نفسه أولاً، ليتمكّن بذلك من فهم من حوله. صعب جداً، على أي شخص أن يفهم غيره وهو بالأساس لا يفهم نفسه! ولعل أقرب المفاهيم التي أميل لها من بين جملة الفلاسفة على مدى العصور، ما أقرّ به «سقراط» في تعريفه للذات، على أنها خليط من قدرات الإنسان وملكاته الشخصيّة، وأنها ترتبط بقدرته على التحليل وبناء المنطق، يقول سقراط: إن الذات هي الوعي والإدراك الحسي الذي يتكوّن من البحث للأسباب الأولى لوجود الأشياء، وبهذا فإن الذات تتحقق بالإرادة والوعي.
رغم قرب فكرة سقراط من فكرتي للذات، إلا أن هناك جانباً كبيراً ومهماً لم يتطرق له الفلاسفة، حيث إن معظمهم تحدث عن الذات من جانب ملموس ومحسوس، بينما هناك خيوط طويلة تربطنا بذواتنا قد تحتاج إلى عمل دؤوب ليغوص ويتعمّق الإنسان في ذاته، فيما بعد يصل إلى مرحلة الوعي والإدراك وهذه وجهة نظر شخصية.
ذواتنا عوالم عميقة وكلما خطونا مرحلة للتدبر في أعماقها نجد أنفسنا ما زلنا على السطح، وهذه تجربة شخصية أستمتع بها منذ عدة أشهر أعمل فيها على ذاتي بالدخول لها ورؤية واكتشاف دواخلها، حتى أصل إلى مرحلة نبيلة في الحياة هي مرحلة الارتقاء الروحي، وهذه المرحلة تنأى بي عن سفاسف الأمور وطرد الشر بكل مكوناته بسيطاً كان أو كبيراً عن حياتي لأحيا بسلام داخلي وخارجي، ولا يعكر صفو رحلة البحث عن الذات توافه الأمور وتوافه الأشخاص.
إنها مرحلة السلام اللذيذة التي تتغيّر فيها الأهداف وتتشكَّل فيها مراحل حياة جديدة تعمل بانضباط وفق قوانين أخلاقية محكمة يرى فيها الإنسان نفسه في محيط أبيض متلألئ بالنور قريباً من الله وملائكته، ومن يقترب منهم لا يبتعدون عنه!