د. محمد بن صقر
يظل مفهوم القبيلة والمجتمع والمدينة مفهوم جدلي ومعقد له أبعاده الثقافية والجغرافية والتاريخية والسياسية، فهي مسألة شائكة في تركيباته وفهم تعقيداته ومسألة سهلة للفهم في ممارستها، هذه الحالة تحدث بها الدكتور السريحي في حوار له حول القبيلة وأنهم «ارتحلوا للمدينة ولكنهم لم يعرفوا أسرار المدينة وعاشوا على هامش المدينة» كمرحلة أولية للتطور الثقافي والاجتماعي والفكري للقبيلة إلى أن وصولوا إلى مرحلة الانصهار في المدينة ولكن هذا الانصهار في اعتقادي هو انصهار تنظيمي ثقافي مدني أكثر منه انصهار واندماج تحت مفهوم المدينة، فالقبيلة تحاول أن تتماشى معه ولكن مسألة القبيلة بمفهومها التفكيري موجود ومتوارث وباقي وإن تعددت حالات الخروج على هذا المفهوم من بعض أفراد القبائل كذلك ممارسة القبيلة وعاداتها وأعرافها وتقاليدها متأصلة لديهم ولها طرق في ممارستها، فالحمية القبيلة على سبيل المثال موجودة حتى ولو تم تأطيرها قانونياً ففي الانتخابات الكويتية يحضر فيها المشهد القبلي وبشكل قوي وفاعل ويتم التصويت بناءً على ذلك فالقبيلة ترى في نفسها أنها تمارس المدنية بطريقتها وبأسلوبها وتعتمد على نفسها متى ما شعرت أن المدينة تحاول أن تضعها على حدودها, هذا الأمر يقودنا إلى تساؤل حول كيف فهمت القبيلة أسرار المدينة؟ إن جزءاً من هذا الفهم هو فهم أن المدينة هي عبارة عن تجمع بشري ومكون متنوّع من نسيج اجتماعي وثقافي وفكري ويستوعب الجميع فلا يمكن أن تكون المدينة نسيجاً واحداً أو مكوناً واحداً وإلا لما أصبحت مدينة وباعتبار أن القبيلة تكوين رباني فهي جزء أصيل في المدينة ومكون من مكوناتها الثقافية والاجتماعية ومن أجل ذلك نجد أن القبلية انطوت على نفسها بعاداتها وتقاليدها وممارستها وانفتحت على المدينة بلغتها وتعاملاتها المشتركة سواء أكانت الاجتماعية أو الاقتصادية أو أكاديمية أو غيرها فلا تحاول القبيلة أن تفرض عادتها على المدينة وإنما تمارسها بين أفرادها وتفرعاتها هكذا فهمت القبيلة أسرار المدينة وهكذا تعاملت مع المدينة فلم تعد القبيلة على هامش المدينة وإنما أصبحت جزءاً من المدينة وأصبحت تتحدث باسم المدينة ولمصلحة المدينة.
إن الوعي القبلي بمفهوم المدينة وأسرار نهضتها قد ينظر إليه البعض أنه نوع من التخلف باعتبار أن القبلية كلمة ضد المدنية أو المدينة وفي اعتقادي أن مثل هذا التفسير الذي يأتي من قبل البعض يعتبر فيه قصور معرفي لأنه نظر إلى التكوين القبلي في الماضي الذي اعتمد على نفسه وعلى كيانه بعيداً عن مؤسسات الدولة أو التشريعات فلم ينصهر في المدينة بمفهومها الشمولي والتنوع الحضاري التي قامت عليه اليوم والتي ساهمت القبيلة في رسم معالمه الثقافية فافهم القبيلة لأسرار المدينة آتى من توجهها للتعلّم والاقتصاد والاندماج المجتمعي فأصبحت المدينة لوحة عصرية بألوان مختلفة تكون القبيلة فيه لوناً فنياً مختلفاً ومنسجماً مع باقي الألوان.