سهوب بغدادي
اتسمت العلاقات الفرنسية المغاربية بالتوتر باعتبار أن فرنسا دولة نشأت على ثقافة الاستعمار منذ قديم الزمان، وفي العصر الحديث، بعد مرور 60 عامًا على تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي، لا تزال العلاقات مع الدولة الفرانكوفونية متوترة، ولنا في آخر موقف مثال حي على ذلك، عندما قلصت فرنسا عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين، فضلًا عن تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المثيرة للسخط بعدم تواجد أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي، بطبيعة الحال كما ذكرت في مقالي السابق أن ماكرون ينتهج سياسة المداراة ومبدأ «أجرح وأداوي»، لذا يجرح في وقت الانتخابات ويداوي بعد انتهائها، ويأتي الدواء بطريقة غير مباشرة، من خلال تعزيز حضوره لدى الفئة المجروحة وبطرق غير مباشرة، حيث يرفض ماكرون حتى اللحظة الاعتذار للشعب الجزائري عما بدر منه من تصريحات بالرغم من تمديده زيارته أيامًا إضافية بهدف خلق شراكات جديدة بحسب ما ورد من قصر الإليزيه يوم الجمعة، فيما يتميز ماكرون في سياسته المخصصة لرأب العلاقات مع الدول التي استهدفها بالخطابات عبر تفعيل أسلحة القوى الناعمة، كالثقافة والفن والتاريخ وهي النواحي التي تلامس الشعب والمواطن البسيط، لذا تجده يزور فنانًا يرتبط بشكل مباشر بثقافة الدولة، وقد فعلها خلال زيارته لمتحف تاريخي في بنين الإفريقية، ونشر مقطعًا لزيارته ثم عبر بكلمات مؤثرة وإيجابية عن ثقافة وتاريخ وحضارة تلك الدولة المستعمرة فرنسيًا! وتوالت زياراته الترميمية على ذات المنوال لفنانين لبنانيين، والآن نجده في الجزائر يغازل الشعب من خلال التصريح بأن العلاقة بين فرنسا والجزائر يصنفها كعلاقة حب، ولكن هل هي فعلًا علاقة حب متبادلة أم مبنية على أمور أخرى اقتصادية؟ إذ زار الرئيس الفرنسي محلًا شهيرًا للتسجيلات الموسيقية في الجزائر متخصصًا في موسيقى «الراي» يدعى «ديسكو مغرب» الواقع بمدينة وهران، والذي يعد معقل موسيقى الراي الجزائرية الشعبية والثورية خلال فترتي الثمانينيات والتسعينيات، غالبًا ينشأ الفن من رحم المعاناة، لذا يعكس الراي قصة الجزائريين وحياتهم، في هذه المرة وظف ماكرون شعبية الفنان العالمي الفرنسي «دي جي سنيك» ذي الأصل الجزائري، من خلال توجيهه رسالة له على الانستجرام من نفس موقع تصوير عمله الفني الجديد تحت مسمى «ديسكو مغرب» حيث حصد الفيديو مشاهدات تجاوزت 80 مليون مشاهدة خلال شهرين فقط، ولفتت رسالة ماكرن اهتمام الفنان بالتأكيد، الأمر الذي جعله يعيد تدوير رسالة الرئيس على حساباته الخاصة التي يتابعها الملايين، خطة ذكية حقًا، فمحبو الفنان من فئات مختلفة وسيؤدي ذلك إلى تعاطفهم مع رأي الأيقونة الفنية، الجدير بالذكر أن زيارة المحل تسبب في حراك شبابي في تلك المنطقة التي أصبحت معلمًا ومزارًا لا يمكن تخطيه، فيسارع الأشخاص إلى التقاط الصور داخل المحل الذي زاره الرئيس الفرنسي والفنان العالمي على حد سواء، كما تهافتت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة للقاء صاحب المحل الموسيقي الذي يدعى «بوعلام» وسؤاله عما دار بينه وبين ماكرون، ليقول «إن ماكرون قلبه أبيض» نعم، لقد نجح ماكرون إلى حد ما في كسب شريحة من الجزائريين المغتربين على غرار «دي جي سنيك»، بغض النظر عن التظاهرات التي قابلها الرئيس الفرنسي خلال زيارته للجزائر، مما لاشك فيه أن الأيام دول والنهج السياسي يتغير بما يتوافق مع الأوضاع، والشح في الموارد والحروب والعقوبات الاقتصادية والتحديات الداخلية تفرض تحركات مختلفة عما قيل أو سيقال في خطابات السياسيين.