اشتهرت في أوروبا خلال القرون الماضية حفر الخنادق حول القلاع والقصور الملكية بالقرب من الأنهار، لتمتلئ بالمياه وتكون حماية لها من جهة، ومن أخرى وسيلة امداد بالماء والغذاء، ولا تزال بعض هذه القصور على حالها في طوق الحماية المائي، والبعض تم معالجتها لتصبح مزارا للسياح وتحولت هذه الخنادق إلى مسارات ومناظر جمالية كما هو برج لندن الذي يعود تاريخه لحوالي 1000 عام.
هذه التقنية التي استخدمت في أوروبا لا يماثلها في البلدان العربية حسبما اطلعت عليه سوى قصر سلمى بمحافظة الأفلاج، وهو القصر الطيني الوحيد الذي استخدم فيه الخندق المائي لحمايته ولتزويد القصر بالماء أيضا في حال الحروب والحصار، وكان الخندق يزود بالمياه من العيون التي كانت تنتشر في الأفلاج، ويعود تاريخ بناء هذا القصر إلى القرن العاشر تقريبا، وقد لعبت هذه التقنية دورا كبيرا في حماية القصر عندما تمت محاصرته لمدة أربعين يوما من قبل جيش الشريف، حيث كتب قائد الجيش إلى الشريف بعد عدم تمكنهم من الوصول إلى القصر والسيطرة عليه: وجدنا سلمى أسفلها في الماء وأعلاها في السماء، وهي عبارة شهيرة تدل على قوة الحماية وربما تعطي تقارب نسبي إلى معرفة مساحة الخندق من حيث العرض والعمق.
ويعتبر قصر سلمى أحد القصور المميزة في بنائه وتفاصيله الضخمة، إلا أن المثير هو انتقال تقنية الحماية بالخنادق المائية من أوروبا إلى الجزيرة العربية خلال فترة لم يكن التواصل فيها قائم لنقل مثل هذه التجارب، حيث كان بناء الخندق في تلك العصور من أهم الأجزاء عند بناء مثل هذه القلاع والحصون، وكان شق القنوات المائية حول القلاع والقصور إحدى طرق التعزيز والحماية الأمنية والغذائية، ففي أوروبا كان أحد أهم معايير اختيار موقع البناء هو مصدر المياه لذلك نجد أن معظم إن لم يكن جميع القلاع والحصون تم بنائها بالقرب من الأنهار أو البحيرات، وهو ما يقود إلى أن قصر سلمى تم اختيار موقعه وحفر الخندق مرتبطا بوجود العيون أو الأفلاج في تلك الفترة.
والجدير بالذكر، هو أن يكون هذا القصر محلاً للدراسة العلمية وربط استخدام تقنية الخنادق المائية بين قصر سلمى بالأفلاج والقلاع والحصن في أوروبا وابرازه أمرا ذا أهمية، لندرة هذا القصر في العالم العربي، وإن وجدت بعض القصور التي بنيت بمحاذاة الأنهار أو الشواطئ لكن الاختلاف يكمن في مستوى الأمن في تلك الحقبة، ولكن تبقى سلمى أسفلها في الماء وأعلاها في السماء.
*** ***
- مرضي بن سعد الخمعلي
@mardhisaadd