مقولة (لا هزل حين الجد، ولا جد حين الهزل) قد تكون شعارنا ولكننا في الحقيقة قد خالفنا ذلك في حياتنا اليومية وتعاملاتنا كثيرًا، فنحن كثيرًا ما نخلط الجد بالهزل والهزل بالجد..
فكم منا يتراخى أثناء العمل الذي يتطلب منه الجد وقضاء حوائج الناس، أو يؤجل مهام بحثية لا تحتمل التأخير، أو أخرى معملية، أو غيرها ميدانية من أجل زيارة عائلية أو مباراة رياضية أو رحلة صيفية..! لقد زدنا في تحويل الجد إلى هزل، فصرنا هازلين في أمورنا الجدية وجادين في أوقاتنا الهزلية. ومما قرأناه في كتاب الأدب الصغير والأدب الكبير لابن المقفع (إن آثرت أن تفاخر أحدًا ممن تستأنس إليه في لهو الحديث فاجعل غاية ذلك الجد، ولا تعتد أن تتكلم فيه بما كان هزلاً، فإن بلغه أو قاربه, فدعه. ولا تخلطن بالجد هزلا، ولا بالهزل جدًّا, فإنك إن خلطت بالجد هزلاً هجنته، وإن خلطت بالهزل جدًّا كدرته).
وبدون شك إن هناك من يتكلم بما لا يناسب المقام ولا يأبه بالمناسبة التي يتحدث فيها أو المقام الذي يتحدث فيه وما ينتظره المتلقي أو السامع له. فمثلاً يتكلم في مواقف الجد بالهزل، فليس من العقل أن يحاول إضحاك الناس في مجلس عزاء يسوده الحزن والآهات والزفرات لأن ذلك لا يتطابق مع حال السامعين، وليس من المنطق الفرح عند المحزون والمهموم كما أننا لا يصح أن نخاطب الأذكياء بخطاب لا يقال إلا لقاصري الفهم والعقل، والعكس كذلك أن نخاطب قليلي الفهم والذكاء والإدراك بما لا تدركه عقولهم وتقصر عنه أفهامهم لأنه سوف يصبح كلامًا في غير محله فاقدًا قيمته. وهناك من يعرِّف البلاغة بأنها (مطابقة الكلام لمقتضى حال السامعين).
قد يكون هناك موطن واحد تكون مصيبًا عندما تستقبل فيه الجد بالهزل، وذلك عندما يتوردك متورد بالسفه والغضب وسوء اللفظ، هنا إذا داعبته وأجبته هازلاً بطلاقة وجه وثبات في المنطق قد تكون محقًّا لأنه يجب ترويضه وتقزيمه وعدم إعطائه أكبر من حجمه، لكننا يجب أن نكون جادين عندما يكون الجد، وضاحكين ومبتهجين عندما تكون أوقات اللعب واللهو، عندها سنكون واضحين، وسوف نتوازن نفسيًا وروحيًا وجسديًا، ونتقارب ونتكامل، ويصبح لحياتنا معنى.