العبادة لا تقتصر على معنى الصلاة والصيام فقط بل تشمل كل جوانب الحياة، فالصلاة عبادة، والصدقة عبادة، وعمل الخير عبادة، والزواج عبادة، والإصلاح بين الناس عبادة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبادة، والجهاد عبادة، ومساعدة المحتاج عبادة، وإغاثة الملهوف عبادة.. فلقد كرم الله الإنسان من غير اعتبار آخر من دين أو لغة فالناس جميعًا إخوة متساوون كأسنان المشط، فالأخوة الدينية أقوى الوشائج والروابط التي تشد الأمة. كما قال الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (1) سورة النساء.
فالإنسان مكرم عند الله لأنه من روح الله ومن تكريم الله للإنسان أمره الملائكة بالسجود لآدم كما قال تعالى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (70) سورة الإسراء.
فعلاقة الفرد مع الله تعالى قائمة على أساس الإيمان والإسلام وتتجلى في سلوكه واستقامته وإخلاصه وشعوره بالتعاون والتكاتف وتصرفاته مع الآخرين، وأن يصون نزاهة لسانه، وأن يفكر ويتحدث بمستوى يليق به، وأن يتعلم كيف يحترم كل أحد.
وبعد هذه المقدمة القصيرة المتواضعة فإن المرء يقف أحيانًا مشدوهًا بما يشاهده بأم عينيه من تصرفات تصيب الفرد بالدهشة والاستغراب لواقع حياة بعض المسلمين؛ إذ تجد النظرة الدونية لمفهومهم عن دينهم الحنيف المتمثلة في أن الشعائر والعبادات ما هي إلا أعمال بدنية تؤدى في أوقات محدودة وأماكن محددة كالصلاة والزكاة والصيام والحج، لذا فإن أثر تلك الشعائر لا تلمسه أو تلاحظه في سلوكهم وأقوالهم وأفعالهم وأخلاقهم في حياتهم فتراهم يحافظون على تلك الشعائر ولكن رغم ذلك لا يتورعون عن ارتكاب المنكرات والمعاصي المميتة للقلوب والمعرضة إلى غضب رب العباد ومن ذلك الربا وسماع الأغاني الماجنة ومشاهدة الصور المحرمة، وكذلك التخلف عن تأدية الصلوات مع الجماعة، وكذلك الغيبة والنميمة إلى جانب الحسد والحقد والغش وبذاءة اللسان، وكذلك الإصرار على ارتكاب المعاصي بشتى صورها. يقول الباري عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (10) سورة الحجرات.
وقال نبي الرحمة محمد بن عبدالله -صلوات الله وسلامه عليه-: «لا تحاسدوا ولا تناجسوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانًا. المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه ولا يحقره ولا يكذبه ولا يخذله. التقوى ههنا - وأشار إلى صدره ثلاث مرات - بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم حرام: دمه وماله وعِرضه». رواه الإمام مسلم في صحيحه. والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
فالكل منا يتساءل لماذا لا تكون الصلاة سدًا منيعًا عن شتى المعاصي؟!!
فقد أصبحت العبادة عند البعض عادة وليست عبادة، وهذا الأمر يحدث بسبب ضعف الوازع الديني عند المرء وانغماسه في الشهوات كافة، واتباع هوى النفس والشيطان، وإلا فما ظنك بإنسان يؤدي شعائر الله ويرتكب المعاصي، بل يصر عليها رغم أن الله تعالى قال {... إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ...} (45) سورة العنكبوت، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (2، 3) سورة الصف، وقال تعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} (52) سورة المؤمنون.
فالشريعة الإسلامية تمتاز -ولله الحمد والمنة- بثلاث ميزات جوهرية عن القوانين الوضعية:
الأولى: الكمال: تمتاز بأنها استكملت كل ما تحتاج إليه الشريعة الكاملة من قواعد ومبادئ ونظريات، وأنها غنية بالمبادئ والنظريات التي تكفل سد حاجات الجماعة في الحاضر القريب والمستقبل البعيد.
ثانيًا: السمو: فإن قواعدها ومبادئها أسمى من مستوى الجماعة، وفيها من المبادئ والنظريات ما يحفظ لها هذا المستوى السامي مهما ارتفع مستوى الجماعة.
ثالثًا: الدوام: تمتاز بالثبات والاستقرار، فنصوصها لا تقبل التعديل ولا التبديل مهما مرت الأعوام، وهي مع ذلك تظل حافظة لصلاحيتها في كل زمان ومكان.
فأول ما يتبادر إلى ذهن المرء أن إيمانه بالله فيه خلل ونقص، فهو يرتاد بيتًا من بيوت الله في اليوم والليلة خمس مرات لكي يؤدي هذه الشعائر الدينية ولا يدرك ولا يعلم كم ركعة صلى الإمام فضلاً عن ماذا قرأ من آيات بسبب بُعده وانشغال فكره وباله في متاع الدنيا.
ومن خلال ما ذُكر آنفًا فإن تأثير الصلاة على سلوك الإنسان المسلم في أقواله وأفعاله وتصرفاته يكاد يكون منعدمًا وذلك لانعدام الخشوع والخضوع والخوف والرجاء والتوكل من رب العباد، فدخول بيت من بيوت الله والخروج منه سيان. وما ينطبق على فريضة الصلاة ينطبق على سائر الشعائر والأركان.
وختامًا: أسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين جميعًا، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.