عمر إبراهيم الرشيد
أفضل سرد القصص بين الحين والآخر تلافياً لتكرار الحديث المباشر ومواضيع الهم الاجتماعي والتنموي، ولأن الإنسان مجبول على حب سماع القصص والواقعية منها خصوصاً، ولا عجب أن تشكل القصص ثلثي القرآن الكريم!
هذه قصة وقعت لمواطن قبل عقود من الزمن . تبدأ مع تاجر ذهب إلى الهند، وفي يوم كان يمشي في إحدى طرق أرياف الهند وإذا به يسمع الأذان يرفع للصلاة. لكن ما لفت انتباهه أن طريقة الأذان ومخارج حروف المؤذن أشعرت الرجل بأن المؤذن عربي، فتتبع الصوت حتى وصل إلى مزرعة بها مجموعة شباب مع شيخ كبير فسأل عن المؤذن فأنكروا ذلك ويبدو أنهم توجسوا من هذا الغريب أو أنهم لم يأمنوا على أنفسهم كمسلمين في تلك البلاد كما هو الوضع الآن بكل أسف. ولما أخبرهم بأنه مواطن سعودي اطمأنوا وأخبروه بأن المؤذن هو والدهم الجالس بينهم، فسأله الرجل عن قصته ومن يكون. قال المؤذن إنه من أهل الأحساء وقدم إلى الهند عندما كان في الخامسة عشرة من عمره، وقد خرج من بلدته هارباً بعد أن تشاجر مع أحد أبناء بلدته وتطور الشجار إلى أن أقدم على قتله. ثم أنه قرر الهرب على متن إحدى السفن المتجهة إلى الهند فاستقر به المقام هناك فاشتغل في المزارع ثم تزوج بفتاة هندية حتى كوّن أسرة ورزق منها بأبناء هم هؤلاء الشباب. وهو لا يعلم عما حدث بعد هذه السنين الطويلة. ثم إن هذا التاجر قرر مساعدة المؤذن وبعد أن عاد إلى المملكة توجه إلى الأحساء وإلى بلدة المؤذن نفسها. وبعد أن تقصى عن ذويه وجد إخوته هناك وهم كبار في السن كذلك، فأخبرهم بالقصة وتفاجأوا حد الصدمة بأن شقيقهم على قيد الحياة بعد هروبه من البلدة قبل عقود من الزمن. ثم سأل عن ذوي دم القتيل فأخبروه بأنه لا يوجد إلا أخوه المتوفى، ولما توجه إليهم مع أشقاء المؤذن وسأل عن إمكانية التنازل أخبره أخوه القتيل بأنهم متنازلون عن القصاص لو عاد المؤذن إلى الوطن.
وبالفعل أخذ التاجر مع أخيه المؤذن في إنهاء إجراءات التنازل من المحكمة وبعد ستة أشهر استطاعوا الحصول على صك التنازل، ومن ثم سافر التاجر ومعه إخوة المؤذن إلى شقيقهم هناك، فاستقبلهم بالدموع والفرح والعناق، ثم سعوا في إنهاء أوراق أخيهم للعودة وبالفعل عاد إلى المملكة وإلى بلدته في الأحساء .
انظروا إلى تطور الأحداث وكيف أن هذا النداء للصلاة كان سبباً في التئام شمل هذا المؤذن بأهله وعودته إلى وطنه.
كان الرحالة الأجانب أكثر ما يلفت انتباههم انطلاق الأذان من المنابر في المدن الإسلامية حين يدخلونها، إنه هوية المدن والمجتمعات الإسلامية .
إلى اللقاء ..