رمضان جريدي العنزي
لقد سيطرت التفاهة على العالم، وأصبح التافهون هم حديث الناس، بل صاروا رموزاً، لهم مريدون ومتابعون ومصفقون وناشرون ومشجعون وداعمون، لقد تحول هؤلاء المهرجون لنجوم في المجالس والمناسبات وساحات ووسائل التواصل الاجتماعية، لقد غدوا يزحفون كل يوم نحو المزيد من المواقع حتى أصبح المثقف الحقيقي مهدداً بالانقراض والتلاشي والاضمحلال. إن التافهين لا يملكون سوى هشاشة الفكر، ووهن العطاء، ورخاوة العمل، وليس لديهم ميزة خارقة لتفعيل العقل، أو تنمية الفكر، سوى التهريج الممل الكثيف. لقد تسلَّل هؤلاء التافهون إلى مخادعنا وإلى كل شيء، وجعلوا من أنفسهم علماء ومفكرين وأصحاب علوم ومعارف وتاريخ، وأصبحوا يفتنون وينظّرون ويحلّلون ويتكلّمون بكل شيء، ولهم قاعدة عريضة، إذ نراهم يحملون على الأكتاف عندما يمثّل أحدهم في إحدى المناسبات دور البهلوان في مسرحية هزلية جلّها هياط في هياط، العجب العجاب أن البعض من هؤلاء التافهين المهرجين الذين لا يملكون من العلم والمعرفة أدنى شيء، ولا من الثقافة منهلاً، بعد أن ينهوا مسرحياتهم العبثية وفق صراخ مرير وتمثيل ركيك وانفعال مصطنع وحركات طفولية، يقبِّلون بعضهم البعض على الرؤوس، وعلى الجبين، ويصفق لهم الجمهور، وكأنهم فتحوا روما من جديد، أو وصلوا عطارد، أو حاولوا أن يلامسوا الشمس، أو جاؤوا بعلم جديد، أو اختراع عظيم يفيد البشرية وينمي الحياة، في أمريكا وكثير من الدول الأوروبية انتشرت في الشوارع والأماكن العامة لوحات تحذيرية كتبت عليها هذه العبارة stop making stupid people famous، وترجمتها تعني «توقف عن جعل الناس الأغبياء مشاهير»، وهي عبارة أصبحنا نحتاج إلى كتابتها على الجدران وفي الساحات العامة والشوارع الرئيسية ووسائل المواصلات وصالات المطارات والقطارات والأسواق والمولات الكبيرة، وأن يتم اتخاذ الإجراءات المناسبة في حق الشركات الداعمة لمثل هؤلاء والتي صنعت من هؤلاء التافهين الأغبياء نماذج يحتذى بها من قبل الشباب والمراهقين من كلا الجنسين على حد سواء، من أجل تسويق صناعاتها ومنتجاتها وبضائعها والتي قد تكون رديئة ومقلّدة أيضاً. إن ما يحدث من قبل هؤلاء التافهين أمر جلل، وكارثة أخلاقية، لأنهم يقومون عن قصد وعمد بإفساد الذائقة والذوق، وفق أفكار سطحية، وكلمات سوقية بذيئة، وابتذال هابط، لقد تسلَّل إلينا هؤلاء من فجوج الأرض كما تتسلَّل الزواحف والحشرات والقوارض، مبتغية فرض ثقاة دونية قاصرة. إن هذه التفاهة والبذاءة والتهريج لو استمرت على حساب الثقافة والمعرفة، ولو سمحنا لهؤلاء بالاستمرار ببث أطروحاتهم وتنظيراتهم الرديئة وأهدافهم المنحطة، لطلب هؤلاء في يوم من الأيام من القائمين على جائزة نوبل أن يخصصوا لهم جائزة باسم التفاهة والهياط، وسنخسر عندها قيمنا النبيلة وأخلاقنا الحميدة وأعرافنا وتقاليدنا الأصيلة، وسنغرق جميعاً في بحر التفاهة التي يصنعها التافهون لنا، ولن تقوم لنا قائمة.