حسن اليمني
ليست العقوبة على أي خطأ أو ذنب إلا للتقويم والتأديب والزجر لا شك, ونسمع كثيراً مفردات (يعاقب بالسجن والغرامة) وأريد أن أتوقف عند السجن والغرامة وأتساءل إن كان ثمّة بدائل أفضل وأرقى؟
دعونا نأخذ الأمر بالشكل التالي وننطلق من حاجة المجتمع لمعالجة بعض الشوائب السلبية في الأخلاق والسلوك والتفكير وبالأخص في التواضع والايثار وحب العمل, وهذه ومثلها شوائب طبيعية موجودة في كل مجتمع أو شعب أو أمة, لا تعيب وهي كما أسميتها شوائب بمعنى قلّة مختلفة عن الكل أو نقص في جودة, ولو أننا استخدمنا العقوبة أو جزء منها في التخلص من هذه الشوائب أو على الأقل الاتجاه في هذا المسار نحو تقليص هذه القلّة أو النقص في الجودة السلوكية والأخلاقية وتهذيبها فإن الفائدة من نتيجة هذا العمل ستكون مفيدة جدًا للمجتمع وللمعاقب ذاته أيضا.
عقوبة الحبس مكلفة وتحتاج موازنة مالية ورقابة أمنية وصحية وأموراً ليس مجالها هنا وإنما يكفي أن نقول إن السجون هي عبارة عن مكان يحبس فيه جمع من الناس أصحاب قضايا مختلفة في حيّز أو مبنى تابع للحكومة وتتحمل فيه أمن وسلامة كل من يحبس فيه وصرف تكلفة معيشته ومواصلات نقله وفواتير خدمة الكهرباء والماء والعلاج, وكل ما زاد عدد السجناء زاد عدد السجون وكل ما زاد عدد السجون زادت التكلفة, فالأمر إذن يستدعي بحثاً وتفكيراً في إبداع حلول خلّاقة إن لم تقلل عبء تكلفة السجون فلن تزيدها أو حتى تبطئ من الحاجة لزيادتها وتوسعتها, وفوق هذا نكسب تهذيب ورقي للأخلاق والسلوك وتربية النفوس.
عقوبة الغرامة المالية وحين تكون بمبالغ كبيرة تتجاوز الخمسة آلاف ريال على سلوك خاطئ غير مالي فإنه قد يشق على البعض ويصعب خروجه من العقوبة وفي ذات الوقت يمس بطريق غير مباشر جودة الحياة للمعاقب في محيط أسرته وما حوله, كما أنها أي العقوبة المالية في غير القضايا المالية ربما تدخل المعاقب في قضايا مالية لتسديد المخالفة المالية كأن يستدين بضعف ينتج عنه عجز فيعاد للسحن لحين سداد الدين وفي هذا إرهاق للمعاقب وأسرته دون مردود ضروري للإيراد العام, ولتوضيح الصورة بشكل أسهل, حين يصطاد شخص ما ضباً أو يشعل ضوءاً (ضوء بمعنى نار وليس ضوءا) فيطالب بغرامة ألف أو ألفي ريال أو أكثر أو أقل فإن هذا الخطأ أو التجاوز يدل على شائبة في السلوك التخلص منها أفضل بكثير من العائد المالي وعن الضرر بجيب المعاقب ومصروف أسرته.
ألا يمكن معالجة بعض الأخطاء (جنح أو تجاوز أو اعتداء) الصغيرة باستبدال حبس وتقييد الإرادة في سجن يختلط فيه مخطئون بأفعال وسلوك وجرائم مختلفة ببدائل أكثر وقعا في النفس دون تكلفة على إدارة السجون وأجهزة الأمن؟
بلى هناك الكثير من العقوبات الأمضى والأقوى في التأثير, وعلى سبيل المثال ذاك الذي اعتدى مثلا على عامل أو تجاوز على ضعيف حين يعاقب بدل من الحبس بالعمل مدة محددة في جمع النفايات في الحي الذي حدثت فيه الواقعة فإن في ذلك تهذيب للسلوك وترقية للخلق من خلال معاقبة كبر النفس واستعلائها, كذلك يستحسن مع أبنائنا وبناتنا في قضايا المشاجرات فيما بينهم ما لم تكن هناك إصابات توجب الحد للمستحق فالأمر هنا ممكن أن يعالج حسب الشرع, وإنما يمكن استبدال دار الملاحظة المليء بالملاحظات بالعمل لأيام معدودة في تنظيف الشارع الذي يسكن فيه الخصم أو حتى تغسيل سيارة خصمه بنفسه لعدد من الأيام لنحصل على الناتج الحقيقي المراد من العقوبة بعيدا عن الحبس في مكان قد يجد فيه من يرقي حالة العنف والجريمة.
كذلك الحال مع العقوبات المالية على السلوكيات الخاطئة فمثلا من أشعل الضوء بين النباتات يعاقب بتنظيف المنطقة تلك من علب البلاستيك وكل ما يضر البيئة ولمدة كذا يوم مع جمعها وتسليمها يوميا للبلدية أو مركز الشرطة المعني, هنا أشعرنا المخطئ بخطئه وربينا فيه حب حماية البيئة, وكل ما كان العقاب مروضاً للنفس بعيداً عن الأضرار بجودة الحياة وسلامة أمنها واستقرارها كل ما كان العقاب أمضى وأقوى في الأثر وأنفع للمعاقب وللمجتمع أيضا, وربما يقال في هذا الشأن إن سلك هذا الاتجاه في العقوبات سيحوج أجهزة الخدمة لموظفين يتابعون تنفيذ التكليف ومتابعته وفي ظني أن هذا ليس مبرراً أمام فوائد ظاهرة وواضحة ويمكن معالجة هذا الأمر بطريقة ما متى أيقنا أن هذا هو الخيار الأصح.