عثمان بن حمد أباالخيل
الأشجار تموت واقفةً والنخيل تقاوم الطبيعة بعد موتها لكنها منخورة من الداخل تهزها الريح وليس الرياح فتسقط على الأرض ومع مرور السنوات بكل ما تحمل من عوامل بيئية تتلاشي وتندثر.
في حياتنا هناك من يعجبك في مظهره الحضاري يلبس أفخر الملابس وأغلى الساعات ويركب أحدث موديلات السيارات ويمسك بيده أحدث هاتف جوال. يحاول جاهداً أن يكون صورة بلا حديث ومنطق، وحين تقترب ومع أول حوار تتفاجأ أنّ الصورة تختلف عن الواقع. لقد اختلفت الصورة وتحوّل الإنسان من جوهر إلى مظهر. ترى هل هذه الصور في مجتمعنا كثيرة أم أنها صور قليلة؟ أتمنى أنْ تكون قليلة لكن الواقع عكس ذلك.
نهر العاصي في لبنان الشقيق سُمي بهذا الاسم، وتعرفون معنى كلمة العاصي، جميع الأنهار تجري من الجنوب إلى الشمال عدا نهر العاصي يجري من الشمال إلى الجنوب، لكنه نهر رغم اختلافه وعصيانه في جريانه. هل هناك علاقة بين نهر العاصي والإنسان الذي يشبه عجز نخلة منخورة؟ النهر فيه الخير والعطاء أما عجز النخلة ففارغة من الداخل وتوحي لك من مظهرها إنها تدّب بها الحياة.
سلوكيات وتصرفات الإنسان هي عجز النخلة المنقعر، أما الإنسان فقد كرّمه الله في كتابه الكريم فقال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}.
أعيننا لها الحق أن ترى جمال المظهر، وللأذن الحق أن تستمع إلى حسن الألفاظ واستقامة المعني، لا يختلف اثنان على هذا لكِنّ الاختلاف يكمن في التناقض بين المظهر والجوهر. هناك من يقول حين تكلّم سقط من عيني، والسبب لسوء اللفظ والفظاظة وسوء التعبير. من يدخل تحت هذا المفهوم يحاول أن يعوض المظهر بالجوهر، وهذا ليس مطلوباً منه، فكل إنسان له مميزات يتميز بها عن الآخرين.
عالم النساء أكثر تعقيدًا من عالم الرجال في حب المظاهر. المرأة تحب التزييف في مظهرها، وهذا ليس له علاقة بالمستوى التعليمي أو مستوى الأسرة الاجتماعي أو حتى السِّن، فهي تريد أن تكون جميلة أنيقة مميزة في مظهرها لكنها لا تعلم وهي تعلم أن مظهرها المزيّف ينتهي مع نهاية الحالة التي تعيشها وتعود إلى مظهرها الطبيعي. من الطبيعي هناك من تجمع بين الاثنين المظهر والجوهر حيث تشعر المرأة بالثقة والتميز الذي لم يأت من فراغ. على المرأة أن تستثمر في جوهرها وليس في مظهرها ولا تدفع مئات الريالات على مكياجها الذي يشوهها في معظم حالاته.
قال الشاعر:
تَرى الرَجُلَ النَحيفَ فَتَزدَريه
وَفي أَثوابِهِ أَسَدٌ مُزيرُ
حقًا إن الإنسان المزير العاقل يعجبك رغم أن هيئه ونحفه لا يشعران بالحصافة وبلاغة اللسان وهناك الكثير من الناس من يرددون المقولة: الرجال مخابر وليس مظاهر حين تسقط الأقنعة المزيفة.
في مجتمعنا هناك من يعاني من المظاهر الخداعة البراقة التي تغطي المظهر وينبهر بها فنبينا الكريم عليه الصلاة والسلام يقول: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) رواه مسلم، وأنزل الله في سورة المنافقون قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ}، وهناك من يردد (يازينك ساكت) حين لا يعجبه قول مُحدثه. الجمع بين المظهر والجوهر هدف ينشده الإنسان العاقل المتزن الواثق من نفسه وسلوكه.
همسة : (لا تحكم على الإنسان من مظهره فالبحر يخدعك حين يكون هادئاً).