سباقات الإبل من أقدم الرياضات التراثية في المجتمع العربي في الجاهلية، وقد باركها الرسول صلى الله عليه وسلم وشجعها. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كانت لرسول الله ناقة تُسمى العضباء، وكانت لا تُسبق، فجاء أعرابي على قعود له فسبقها، فاشتد ذلك على المسلمين وقالوا: سبقت العضباء. فقال رسول الله: إن حقاً على الله أن لا يرفع شيئاً في الدنيا إلا وضعه».
والهجن يُقصد به إبل السباق (ضَرْبٌ من النُّوق خفيفُ الجسم سريعُ السير) والكلمة في أصلها مشتقة من الهِجانة وهي البياض وليس الهُجنة التي تعني الدّخَلَ في النسب. والهجان من الإبل هي كريمة النسب، وناقة هِجان: أي كريمة. والناقة المُهجنة هي الممنوعة إلا من فحول بلادها لِعِتقها وكرمها وكانت العرب تقول: قُريش الإبل أُدمها وصُهبتها، والآدم من الإبل الأبيض، فإن خالطته حمرة فهو أصهب، وناقة أدماء أي بيضاء.
فمنذ القدم علم العرب أن الإبل أجمع للمنافع له من سائر الحيوان لأن ضروبه أربعة: حلوبة وركوبة وأكولة وحمولة، وهي تجمع هذه الخلال الأربع فكانت النعمة بها أعم وظهور القدرة فيها أتم. ولهذه الخلال أصبحت الإبل من رموز العز والشموخ في تاريخ الجزيرة العربية، وثروة مباركة ما زالت مستمرة حتى وقتنا الحالي. كما لعبت دوراً كبيراً في الحياة الاجتماعية حتى وقت قريب فكانت تقدم دية للقتيل، ومهراً للعروس، وحلاً للخلافات، وفضاً للمنازعات. واعتادت العرب لإكرام الضيف أن تذبح الإبل الصغيرة منها لمقدمه، وتنحرها كذلك في المناسبات والأعياد والأفراح، كما أنها كانت وسيلة للسفر ونقل الأمتعة والبضائع.
ولما تبدل الحال في العصر الحديث وظهرت وسائل أخرى حديثة للتنقّل ونقل الأمتعة والبضائع، بقي من منافعها الغذائية الكثير إضافة لاستخدامها في رياضة سباق الهجن التي هي من أحب الرياضات وأقربها إلى قلب كل عربي أصيل بما تحمله من متعة وفائدة مادية ومعنوية كبيرة. هذه الرياضة - سباق الهجن- تتصدر المشهد التراثي والثقافي على مدار العام، وتحظى باهتمام ومشاركة شريحة واسعة من أبناء الخليج ومن مختلف الشرائح.
تاريخياً كانت سباقات الهجن نشاطاً يجري من وقت إلى آخر هنا وهناك على نطاق فردي، أو ضمن مضارب القبيلة أو الأسرة، احتفاء بمناسبة مهمة، أو في إطار حفلات الزواج والأعياد، وتنظم القصائد فيها وكان صاحب الهجن الفائزة يشعر بالفخر لأن انتصارها دليل على شجاعة صاحبها ونبله وأصالته.
وسباقات الهجن شأنها شأن غيرها من الرياضات، تقرب بين الناس، وتفتح أبواب التواصل، وربما التعلّم وتبادل الخبرات والمعرفة، ليس فيما يتعلّق بفنون التسلية والمتعة فقط، بل بالقيم الكامنة وراء هذه الفنون والرياضات، الأمر الذي يُساهم في تأسيس شراكات إنسانية واعية وتعاون بين البشر، أيًا كانت مشاربهم ومذاهبهم.
ولئن كانت سباقات الهجن لا تزال تحتفظ بالكثير من دلالاتها التراثية وقيمتها في المجتمع البدوي القديم إلاَّ أنها قد تطورت وتعقدت وصارت سبل إجرائها أشد دقةً وتنظيماً. وأصبحت عبارة عن تقليد سنوي له أصوله وقواعده والهيئات المشرفة التي تسهر على التزام أنظمته المرعية. وعلى تطور هذه الأسس أيضاً بحيث تبقى مواكبة للعصر وعلى هذا كان الهدف من اتحاد سباقات الهجن بدولة الإمارات العربية المتحدة: إعطاء رياضة سباق الهجن المزيد من التنظيم والرعاية والاهتمام امتداداً لتراثها الأصيل وانتفاعاً بفوائدها الاقتصادية والاجتماعية التي تنعكس على قطاع كبير من أبناء الدول العربية. وتوحيد إجراءات هذه الرياضة بمختلف مناطق السباق في تلك الدول وممارستها وفقاً لأسس تنظيمية ملائمة تنسجم مع الأصول المراعاة محلياً وخارجياً، فقديماً كان عدد الهجن المشاركة في السباقات وتصنيفاتها وأعمارها لا تؤخذ في الاعتبار فيجري الخلط بين الصغير والكبير منها في ميادين المنافسات. أما اليوم فإن العمر هو المعيار الرئيسي الذي يحدد على أساسه أطوال السباقات وعدد الأشواط التي يشتمل عليها كل سباق.
والأنواع الأساسية التي تصنف حسب العمر في سباقات الهجن هي:
فطامين عمر عام إلى عامين.
حججه عمر عامان إلى ثلاث سنوات.
لقيه (لقايه) من ثلاث إلى أربع سنوات.
جذعه (يذاع) تتراوح سنها بين أربعة وخمسة أعوام.
ثنايا ويكون عمرها من خمس إلى ست سنوات.
ذلل ويكون عمرها من ستة إلى سبع سنوات.
علاوة علي: الزمول والحيل ويزيد عمر كل منهما على سبع سنوات.
- الهجن سلالات أصيلة.
توجد في جميع الدول العربية سلالات عريقة من الإبل العربية تمتاز جميعها بجمال الشكل والمنظر والقدرة على الجريّ والرشاقة.
ومن أشهر هذه السلالات: ظبيان، وصوغان، والوري، ومصيحان، وهلمول، والإصيفر، وسمحون، وذبيان.
ومن الأصايل في هذه السلالات: الوراية، والخمرية، وتوق، والشطوطية، والشمطية، وعالية، ولغزيله، والطيارة، والمسك، وزعفرانه، وطفرة، ودبيس، وشعلة.
ويذكر أن نسل هذه الأصايل ما زال موجوداً، ولم يهجن ولم يُخلط بدماء أخري كجزء من التقاليد الثقافية والاجتماعية والارتباط بمكانة ومنزلة هذه الهجن.
وتمتاز سلالات الإبل الأصيلة في دول الخليج العربي بتوافر مواصفات تنظيم مسابقات الهجن وتقاليدها فيها، مثل: مصيحان ويمتاز بلونه الأحمر والأصفر الداكن المائل إلى السواد، وهو صاحب نفس طويل واندفاع طويل عند الانطلاق في بداية السباق.
ويتمتع ظبيان باللون الأصفر الفاتح المائل إلى البياض وبوبره الأشقر الغزير، ولظبيان نفس طويل نسبياً ويتفرد بصفة عن سواه أنه كلما تقدّم عمره ازدادت قدرته على الركض مهما طالت مسافة السباق.
ولصوغان وبر قصير ويمتاز بطول القامة وسرعة الركض وعلى الرغم من نفسه الطويل في أشواط سباقات الهجن الطويلة فإنه بطيء عند الانطلاق.
والأصيفر يميل لونه الأصفر نحو البياض، وله قدرة على المشاركة ضمن السباقات الطويلة.
ويتصف الوري بكبر الرأس وبوبره الأحمر الطويل مع تحمل الركض الطويل في سباق المسافات الطويلة نوعاً ما.
أما المسك فهو ناتج عن تهجين مصيحان وظبيان، ولونه بين الأصفر والأشقر ويغطي جسمه الوبر الأسود اللون.
أما الخمري الذي يتميز بطول وكثافة الشعر وبلونه الأصفر الفاتح، وللخمري نفس طويل في السباقات.
إضافة إلى الأصايل هناك الهجن العمانية والهجن السودانية المعروفة بسرعتها، وهجن الجزيرة العربية التي تتميز بجسدها القوي وقدرتها الكبيرة على التحمّل. والمجاهيم التي تشتهر بها المنطقة الجنوبية وخصوصاً الربع الخالي، وتتميز بكبر حجمها. وفرة حليبها ولحمها.
ومن الفائدة أن نشير إلى أن موسم سباقات الهجن في الكثير من دول الخليج العربي يبدأ من منتصف شهر أكتوبر - تشرين الأول وبداية شهر نوفمبر - تشرين الثاني، وحتى شهر أبريل - نيسان من كل عام، حيث يتم تجهيز الإبل للسباق، ويشمل ذلك ضرورة أن يكون الجمل معروف النسب - أصيل- سليماً من الأمراض، في حين لا بد من معرفة عمر المطية أو سن التأديب والتدرب التي تكون في الغالب ثلاث سنوات، ثم تغطي بلحاف ينشر على ظهرها لمدة أسبوع قبل بداية السباق، حتى تألفه وتتعود عليه ولا يثير لديها أية حساسية عند الجري في بداية السباق. كما يجب أن يسبق السباق عملية التضمير وتعني تخليص الإبل المشاركة في سباق الهجن من الشحم الزائد في جسدها، عن طريق اتباع نظام تغذية معروف لدى أصحاب الإبل، حتى تكون الإبل المشاركة قد قاربت من الناحيتين الجسدية والمعنوية على اعتياد المشاق والتآلف مع الركيب أو الفارس (منذ عام 2005م تم الاستعانة بالروبوتات - إنسان آلي صغير الحجم بأوزان قليلة - تصل بعضها إلى أقل من كيلو جرام واحد، لتحل محل الأطفال قديماً، لتفادي التعقيد والمخاطر، حيث يتم التحكم بالروبوت عن بعد من قبل صاحب الجمل لاستعمال السوط وحث الجمل على الإسراع وخلال السباق، يلاحق أصحاب الإبل إبلهم عبر سيارات الدفع الرباعي على مسار موازٍ لمضمار السباق الذي يمتد طوله لخمسة كيلومترات من أجل التحكم بالروبوتات على ظهور الهجن). والجمهور وميدان السباق.
بقي أن نذكر:
هذا التراث الأصيل لا يساعد العربي على التعرّف إلى هويته وصونها فقط. ولا يعضده في محاولاته لدفع عجلة التقدم على نحو مدروس إلى الأمام فحسب، بل يحفظ له مكاناً متقدماً بين الأمم، ويتركه مطمئناً إلى مستقبله القريب والبعيد، فالشعب الذي يخلص لماضيه يضمن بذلك مستقبله.
*** *** ***
salahalshehawy@yahoo.com
- صلاح عبد الستار محمد الشهاوي