«الجزيرة الثقافية» - مسعدة اليامي:
الحياة خطة مدروسة ومثلها الكتابة، كل هذا الجهد المبذول ليس عبثا إنما هو خطى نحو الهدف المنشود وفيه الكثير من التضحية والعمل والتخطيط، وأحاول حسب مقدرتي أن أرقى بالعمل الثقافي العماني أولاً والعربي أخيراً. ذلك ما أشارت إليه القاصة إشراق النهدي في حديثها لـ«الجزيرة الثقافية» التي استضافتها في حوار جاء فيه:
* كيف كانت بداياتك مع كتابة القصة وهل حرثتِ تربة حقلك بنفسك أم أن هناك من مد يد العون لكِ؟
- كُنت قارئة جيدة منذ الطفولة وأعمد إلى الهدوء والعزلة. ولم تكن لي تجمعات وصداقات كثيرة، فأنا أكتفي بالتعارف مع القلة من الأشخاص في حياتي، وأيام المدرسة كنت أحب مادة اللغة العربية وأكتب في حصة التعبير بشكل منتظم، وغالبا ما أجد الإشادة من المدرسات، لكني لم أفكر حينها أن أكون كاتبة محترفة إلا أنني كنت نهمة بالقراءة، ومحبة للكتب وعوالمها بكافة أنواعها. في بداياتي كتبتُ الشعر والنثر والخواطر لنفسي ولوالديّ، وبقيت كتاباتي خجلة في مذكراتي ويومياتي الخاصة فحسب، وبعدها بدأت بالنشر عندما نضج مستواي الأدبي قليلا. حيث تدرجت في النشر من باب الهواة إلى الملاحق الثقافية المختلفة وعملت ككاتبة متعاونة في الكتابة الصحفية أعد مقالات وأعمدة أسبوعية وتحقيقات صحفية وحوارات، حاليا أجد نفسي في كتابة القصة القصيرة، ومحاولات بسيطة في كتابة النصوص المسرحية. كانت البداية نضالا صعبا للاستمرار وكأنها عبارة عن تلاطم أمواج غير مستقرة، لكونها محاولات إثبات وسعي متذبذب ما بين موافقة الأهل والخوف من المجتمع ورغبة الكتابة وتتبع الشغف ولا أكثر. ولكن الآن الكتابة بالنسبة لي هوية وجزء من كياني ومعنى وجودي.
* هل كانت البيئة الكتابية مهيأة لكِِ أم أنك تعبتِ إلى أن وجدت المكان المناسب؟
- وربما أكون الأولى التي نشرت مجموعات قصصية في محافظة ظفار، وقبلها كتبت في الجرائد باسمي مع نشر صورتي الخاصة. ناضلت كثيراً وقتها للبقاء والاستمرار مع بعض الخلافات. الآن أجد تشجيعا جيدا. عدا ذلك لكوني من الجنوب بالتحديد، وجدت الكثير من الاستنكار والاستغراب لأنني اتجهت للكتابة، في بداياتي المرتبكة كتبت بأسماء مستعارة، وأحسستُ بالغربة فعلا. فقد كان صعبا بالفعل إقناع المكان والزمان بأنك قد تكتب لتصدر كتابا خاصا بك ذات يوم. ولكن الآن اختلفت العقليات واختلف كل شيء وبدا الأمر مشجعا ومرحبا، والمجال بات أسهل على الفتاة في ظفار أن تعبر عن نفسها بالأدب أو بأي موهبة أخرى.
* الموهبة وحدها لا تكفي فإلى ما تحتاج الكتابة وخاصة في المجالات الإبداعية؟
- الموهبة تحتاج إلى رعاية واستثمار وعناية، وأعد أن الكتابة أو القراءة حالة من التعلم والبحث المستمرين. وموهبة الكتابة عبارة عن تجريب ومحاولات متواصلة ومستمرة للابتكار، وهي لا تنتهي ببساطة لأن منهل العلم في شتى المجالات كالبحر الذي لا ينضب. وذلك يجعلني مترصدة وباحثة عن الفكرة لصقل الموهبة ومنشغلة بشكل دائم لصنع أحداث ملهمة تعينني على الكتابة. وتجربة التعلم والانشغال بالتجديد تجعل الموهبة تتأصل وتتطور لفتح الآفاق للمزيد من المهارات الأدبية المكتسبة، ومع الأيام ومراحل العمر المختلفة يتبدل ذوقي وتفكيري وأسعى إلى التغيير والبحث فيما يغذي النضج ويكسب التجارب ثراء وعمقا.
* كم من الوقت تمضين مع خير جليس وأي أنواع الكتب تقرئين؟
- أقرأ كل كتاب مختار بعناية دون النظر إلى كاتبه، حاليا أقرأ في الأدب الغربي رواية ساعي بريد نيرودا، وقبل عدة أيام أنهيت رواية الغريب وبالأمس أنهيت كتاب حكايات جدتي ولدي عدة كتب في جدول الانتظار، كما أحب أن أنوه أني أحب الكتّاب العمانيين كثيراً واقرأ للعديد منهم.
بدايات الطفولة كنا نقرأ في روايات وقصص مختلفة، كإحسان عبدالقدوس ونجيب محفوظ واجاثا كريستي وهؤلاء بحر من العمق والإبداع. تعلمنا منهم حب القراءة والمطالعة نفسها، ولكون لغتهم بسيطة لامست القلوب والعقول، ومن ثم كان للعقاد جزء من الاستحواذ على اهتمامي، وفيما بعد أسرتني لغة الكاتبة أحلام مستغانمي ولبنى ياسين.
رغم ذلك لا توجد تجربة سردية معينة تستحوذ على اهتمام كامل وبحت، ولكني كلما رأيت شيئا جميلا وإبداعيا أستطيع تمييزه ومتابعته. وغالبا ما أحب سمة معينة في كل تجربة مختلفة، أخصص أكثر من ساعة أقضيها في القراءة عدا قراءة القصص والمقالات على مدار اليوم في المجموعات الأدبية والثقافية.
* بعد أن صدر لك عدة مجموعات قصصية كيف رأيت قراءة النقاد لأعمالك وهل أنتِ ممن يترك الباب مواربا لعملية النقد أم خلاف ذلك؟
- النقد مهم جدا بالنسبة لي ويكاد أن يكون أهم من الكتابة نفسها. لأنه يركز على مواطن الضعف في الكتابة، وبما أننا بالطبع نسعى إلى تطويره فالنقد يعد منفذا ومرآة لكشف النقص الإبداعي. في الحقيقة لم يهتم النقاد في عمان بنقد قصصي أو كتبي، ولا أظنهم اهتموا بتجربتي من الأساس، وأغلب من كتب عني من خارج السلطنة. ولا أحب التحيز الأدبي هنا. عدا ذلك فإن النقاد العرب كانوا جدا كريمين في قراءاتهم النقدية وسلطوا الضوء على تجاربي بشكل محايد.
* ما الذي يشغلك في الوقت الحالي حيال موهبتك القصصية وهل هناك نية في التعريج على عالم الرواية؟
- أتودد إلى القصة القصيرة في ألفة ومودة، خاصة وأني أحاول صقل مهاراتي الكتابية على نحو مُرضٍ بالنسبة لي وبوتيرة مناسبة، ولكن مع ذلك أنا لا أجزم معرفتي بالتوقيت المناسب لي لكتابة الرواية رغم أني شرعت في كتابة بداية لروايتين... لا أفكر إلا في الوقت الراهن واستمتع بمجال لحظات يومي فقط، ولا شيء واضح بالنسبة للمستقبل، فأنا بطيئة في تصور المستقبل، وحذرة في وضع الخطط، فلا أحب القفز السريع بين المشاريع، ولا أحب الوقوف على خيارات كثيرة، لهذا أتزن واتخذ القرارات وأحب أن أقلص الخيارات المتاحة قدر الإمكان بحيث تكون الأجود والأنسب، ولا أفكر في المستقبل كثيراً، فما دام الحاضر جاريا فالأحسن أن انشغل به.
* كثرة المسؤوليات التي تقع على عاتقك هل تشكل عبئا على موهبتك أم أنك تمكنت من تعبيد طريق الوصول؟
- الحياة خطة مدروسة ومثلها الكتابة، كل هذا الجهد المبذول ليس عبثا، إنما هو خطى نحو الهدف المنشود وفيه الكثير من التضحية والعمل والتخطيط. وأحاول حسب مقدرتي أن أرقى بالعمل الثقافي العماني أولاً والعربي أخيراً.
بالنسبة للموهبة أجعلها ضرورة أساسية لي ومن احتياجاتي اليومية وأحاول دائما أن أمهد لها الطريق قدر المستطاع بالكتابة وعمل مجموعات كتابية بحيث نجتمع ونكتب ونتناقش ونطرح آراء بعض وهي ساعدتني على الالتزام والمواصلة الجادة.
* حدثينا عن مسؤولياتك التي قدمتِ من خلالها الكثير من أجل خدمة الموهبة داخل عمان وخارج عمان؟
- في مجلس إشراقات قدمنا الكثير من الفعاليات وكان لها دور في تقديم عناوين مميزة واستضافة شخصيات أدبية وإبداعية على مستوى الوطن العربي. وقدمنا ورشات في الكتابة ومحاضرات في مختلف العناوين المهمة. وهذه الفعاليات استقطبت كثيرا من المشاهدات. كما أن بعض الفعاليات قدمت بعض المواهب الصاعدة الجميلة. عدا ذلك قدمت بعض الورشات في مختلف الجهات وتركت صدى وأثرا جيدا والحمد لله.
* قدمت وشاركت في تقديم الورش التي تعني بكتابة القصة، ما الهدف من ذلك وهل هناك نتاج ملموس وهل فعلا نحن بحاجة إلى الورش الثقافية؟
- كان الهدف نقل الخبرات الكتابية للمهتمين والمساعدة في توجيه بعض المواهب الصاعدة والعمل على تسهيل مهمة اكتساب الخبرة لديهم. الورشات مهمة فمهما كان الإنسان متعلما ومثقفا وملما فإنه سيكتسب معلومة جديدة في كل مرة يحضر فيها ورشة أو يشارك بدورة لأنها تفتح ذهنه على طرق التعلم المختلفة ومنهج تدريب مختلف والزوايا المختلفة مهمة لاكتساب رؤية أوضح وأكثر شمولية.
* ماذا عن الحركة الثقافية في سلطنة عمان وما الخطط الجديدة لمجلس إشراقه مع العام الميلادي الجديد؟
- المجتمع العماني ساعد كثيرا في بناء المشهد الثقافي كونه بيئة خصبة للسرد بكل أحداثه ووقائعه وكل ما به من جوانب غير معروفة، ووجود نخبة قديرة وأقلام متمكنة ومهتمة بجد وإخلاص، فاستطاع المشهد أن ينقل صورا من الواقع بشكل سردي جميل تمكن من خلاله تحقيق نجاح وتفوق في هذا المجال، وساعد في تطور الحركة الثقافية والأدبية العمانية.
كما أن الحراك الثقافي بشكل عام نشط بسبب الكتّاب أنفسهم، الذين لديهم الشغف والتطلع للتميز والابتكار. فكانت عقولهم واعية فقرءوا وكتبوا فكانت عوامل الاطلاع والفضول على الأدب الغربي والعربي له دور كبير، وبشكل عام الكاتب العماني موهوب جدا ويصقل مهاراته وأيضا يقوم بالتعلم والدراسة والانضمام للورشات، وكثيرا ما يحاول أن يطور من نفسه بالبحث والتجريب في الكتابة.
بالنسبة للمجلس سيظل يقدم الأفضل ويسهم بشكل فعال كعادته لصنع قاعدة ثقافية إبداعية، وسيعمل على تكملة الورشات كهدف أولي وأساسي لصقل المواهب المكتشفة والدفينة.
* قدمت وشاركت في أمسيات قصصية خليجية عربية عبر العالم الافتراضي ما وقع وأثر ذلك عليك وما رأيك في مثل تلك الأعمال؟
- كانت تجربة ثرية لتقديم الأفضل من الإنتاج الأدبي الفردي. والأمسيات العربية تعد ربطا لجسور التعارف والتواصل وهي سبيل لخلق التنوع ورفع مستوى التأثر والتأثير في الأدب القصصي، وهي فسحة خفيفة ولطيفة لتوطيد علاقات أدبية راقية مع الكتاب والأدباء في الخليج عدا الاستمرار في التواصل معهم وتنظيم حلقات وأمسيات قصصية وتبادل الكتب والتجارب معهم مستقبلا.
* قراءتك للحركة الثقافية التي قدمت من قبل الواقع الافتراضي وهل أنت مع استمرار ذلك حتى بعد العودة للحياة الطبيعية؟
- الناس تعتقد أن الفعاليات الافتراضية وهمية أو ليس هناك مجهود حقيقي يُبذل لأجل إقامتها وتنظيمها. في الحقيقة ثمة جهود متواصلة وتخطيط مسبق وتنظيم ورصد أسماء لاستضافتهم وهو عمل يحتاج إلى عدة أشهر أحيانا من المتابعة. العالم الافتراضي سهل لنا أمورا كثيرة. ولكن أعتقد بأن المجتمع سيتكيف مع الحياة؛ فالحياة عادت لطبيعتها بعد كورونا، وعادت الفعاليات كما كانت، وأظن ستكون هناك فعاليات منوعة منها الواقعية وغيرها الافتراضية. والتخوف من خلو الكراسي من الحضور سيكون موجوداً بالفعل ولكن أيضا نأخذ في عين الاعتبار أن المجتمع متعطش لعودة الحياة والتجمعات والمناسبات كالسابق.
وهذه الفترة ربما صنعت وخلقت جيلا جديدا مهتما بالفعاليات ومتابعا لها. ونتأمل أن يحول هذا الاهتمام على أرض الواقع أيضا. ولكني مع الفعاليات الافتراضية كونها تختصر المسافات وتساعد على سعة التفاعل الأدبي والتعارف الثقافي.
* ما رأيك في مشروع القراءة وكيف ترين دور الصالون الثقافي النسائي في عمان؟
- القراءة تعد مشروع تأهيل حياة كاملة لأنها ترفع الكفاءة لدى الشخص ليس في الأدب فقط ولكن في الحياة برمتها، من خلال تأثير القراءة على الفكر والسلوك الذي نواجه به الحياة كسلاح من الحكمة والوعي والالتزام، كون القراءة تكريس والتزام نحو الكتب نفسها لإكمالها للنهاية. دور المجالس والصالونات الثقافية هي توجيه الفئة التي تمتلك المهارة والقدرة على الإبداع بحيث تأخذ بيدهم لتسيير هذه الطاقات في الوجهة الصحيحة للإنتاج المتزن من خلال الورشات والجلسات الثقافية والتجمعات الأدبية التي ينتج عنها كيان حضاري له سمة الثقافة والأدب الراقيين.
* الثقافة توحد شعوب، ثقافة التفاهة تهدم شعوب، الأدب وخاصة القصة هرم التربية الإنسانية سواء كانت مكتوبة أو مسموعة أو مرئية، تعليقك على ذلك الموضوع؟
- نعم بالطبع الثقافة لها دور كبير، خاصة القصة بما تمررها من رسائل وعبر وحكم وإن لم تكن مباشرة وتقريرية. ولكن بما تتناولها من قضايا وأفكار تعد تجسيدا للواقع ومواكبة للظروف الراهنة التي نمر بها. وهي وإن كانت قصصا قصيرة لكنها كبيرة في محتواها لأنها تختصر مشاهدا لها وقع كبير في حياتنا. كاتب القصة مهم جدا لكونه يسهم في لفت النظر لقضايا مهمة تؤثر في مجتمعاتنا. كما أنها خلقت مسارا مؤثرا في الأفكار العامة في الأفراد. وغالبا ما نجد ذلك من خلال القصص التي تتحول إلى أفلام سينمائية إذ باتت الأفلام تأخذ جدلا كبيرا بعد عرضها في السينما. وهي في الواقع عبارة عن قصص مكتوبة وتحول درامي إلى سيناريوهات قابلة للتمثيل. وهي في المجمل تشكل وعيا مجتمعيا يقاس عليه جودة الأفكار ومدى مناسبتها لمجتمعاتنا بما فيها من قيم وأخلاقيات.