أ.د.عثمان بن صالح العامر
كان لي شرف رئاسة وفد وزارة التربية والتعليم في زيارته الرسمية لدولة فنلندا خلال الفترة 10-21-1-1428هـ الموافق 29-1-9-2-2007م والتي تعتبر الدولة الأولى في العالم في نظامها التعليمي، كما قيل لنا ذلك في أكثر من مناسبة، وكما هو موجود في بعض المراجع والنشرات العلمية التي ترجمت لنا. والواقع الذي سبرنا أغواره يشهد على ذلك ويبرهن عليه، وسر هذا التفرد العالمي - إن صح وجوده - كما يقول لنا خبراء التربية هناك هو (الاهتمام بإعداد العلم)، ويقول يوكو كوبني (مدير مدرسة): (حصلنا على المركز الأول في التعليم بالتخطيط وإلا فنحن لا نملك إلا الخشب والعقل. بعد الحرب العالمية الثانية حاولنا لملمة شتات بلادنا، فكرنا في البيت الفنلندي، واخترنا العلم طريقاً للنهضة مع قناعتنا التامة أن العلم ليس الحل السحري الجاهز الذي سنحقق من خلاله ما نصبو إليه بين عشية وضحاها وإنما يحتاج إلى وقت طويل وعمل متواصل وجهد مظن ومرهق). ومن التجارب التي تستحق الوقف عندها وإطالة التفكير فيها ويمكن توظيفها وإدخالها ميداننا التربوي - بشيء من التصرف - ما يلي:
- تنمية مهارة النقد الذاتي لدى الطالب...
- عدم وجود ما يسمى بالإشراف التربوي (التفتيش سابقاً)...
- التركيز في المرحلة الثانوية على تخصص محدد...
- وجود برامج مكثفة لربط الأسرة بالمدرسة، ورفع كفاءة الوالدين في متابعة أولادهما حين يعودون من المدرسة...
- الاهتمام بالتغذية السليمة للطالب إذ - كما يقولون -: «يجب علينا قبل أن نعلم الطالب حل مسألة في الرياضيات أن نعطيه الغذاء الجيد حتى يستطيع الفهم الصحيح، ذلك لأننا وصلنا إلى قناعة تامة من خلال الدراسات الميدانية المتخصصة أن الجائع أو حتى سيئ التغذية لا يستطيع التفكير بصورة علمية سليمة»، ونحن ما زلنا عاجزين عن حل مشكلة المقاصف المدرسية!!!.
- احترام الطلاب وإشراكهم في إدارة مدرستهم وقراراتها المختلفة ذات الصلة المباشرة بهم...
- الاهتمام الشديد بالإرشاد النفسي والاجتماعي في المدارس...
- وجود مساعد معلم في المدارس حاصل على دبلوم من كلية التربية أو المعلمين...
- جعل القاعة الدراسية خاصة بالمعلم والطالب هو الذي ينتقل إلى المعلم، وخلف كل قاعة دراسية مكتب مخصص لهذا للمعلم وهذا يعني وجوب التفكير الجاد بإعادة «تصميم المباني المدرسية» لدينا.
- الاهتمام بتدريس اللغة الإنجليزية خاصة من الصفوف الأولية، مع وجوب الاهتمام الفعلي باللغة الأم، وهذا من الأمور المفروغ منها عندهم، فاللغة الفنلندية تحظى بالاهتمام الشديد وتنال العناية الفائقة من قبل الميدان التربوي في جميع المراحل الدراسية.
- الحرص على اختيار المدير وإعطائه الدورات التخصصية في فن الإدارة، ومميزات القائد التربوي الناجح، وللمدير زيادة مالية «مكافأة شهرية مقطوعة» نظير قيامه بإدارة المدرسة...
- إشراك أولياء الأمور في مجلس المدرسة الذي يملك زمام إدارة هذا الكيان التعليمي والتربوي المهم بشكل مباشر، وذلك بانتخاب أب وأم من الأهالي يحضرون جميع جلسات مجلس المدرسة ويكونون بمنزلة حلقة الوصل مع المجتمع المحلي المحيط بهذا الكيان التربوي.
- الاهتمام بتنمية المهارات اليدوية عند الطلاب وذلك بالتركيز على مواد التربية المهنية والتي يبدأ تدريسها من الصف الخامس الابتدائي بورش مجهزة تجهيزًا متكاملاً مما يجعل المواطن الفنلندي قادراً على الأقل على صيانة منزله في الكهرباء والسباكة والنجارة والحدادة وكذلك صيانة جهازه الحاسوبي الشخصي، وما إلى ذلك.
- اختلاف الأنصبة باختلاف التخصصات فليس نصاب معلم اللغة الأم مثل نصاب معلم التربية البدنية مثلاً...
- التقنية خادمة ومساعدة في العملية التعليمية والكتاب والدفتر والقلم هي الأصل...
- غياب المركزية ومنح المدارس هامشاً واسعاً من الحرية في إدارة أمورها...
طبعاً هذه رؤوس أقلام وعناوين رئيسة لهذه التجربة الرائدة والرائعة في نظري، وتحت كل مفردة من هذه المفردات الواردة أعلاه كلام طويل ونصوص مكتوبة، وجزماً خلال السنوات الماضية تحقق كثير من التطوير المدروس في المدارس الفنلندية بناء على ما جد من تغيرات وما صار من معطيات أثرت على مسار التعليم في جميع دول العالم بلا استثناء ومنها مدارس هذه الدولة، وشخصياً أرى أننا نحتاج إلى دراسة هذه التجربة من جديد والاستفادة منها في بناء «اقتصاد المعرفة» الذي يعد هدفاً رئيسًا من أهداف الرؤية 2030، دمتم بخير، وعام دراسي وجامعي حافل بالإنجاز والعطاء، وإلى لقاء والسلام.