سهوب بغدادي
أثار تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال لقاء له مع مجموعة من الطلبة الجزائريين وحاملي الجنسيتين الجزائرية والفرنسية في باريس، ضجة واسعة في الأوساط الجزائرية خلال الفترة الماضية، عندما شكك في خطاب له قائلاً: «هل كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟» وقال ماكرون إن الرئيس الجزائري تبون رهين نظام متحجر بناء على حوار سابق دار بينه وبين نظيره الجزائري، فيما أتى الرد من الجزائر من خلال استدعاء سفيرها لدى فرنسا، واصفة تصريحات الرئيس الفرنسي بغير المسؤولة وتأجج الغضب الشعبي بشكل كبير بالتأكيد، حيث لم تكن تلك التصريحات فقط خلف هذا الغضب، بل سبق التصريح قرار بتقليص عدد التأشيرات الممنوحة لدول منها الجزائر، وكانت كل هذه المعطيات مدروسة لنيل رضا أحزاب اليمين المتطرف من الناخبين الفرنسيين قبل حلول الانتخابات الرئاسية الفرنسية، إذ استخدم ماكرون كرت التأشيرات وغيرها من الملفات التي تستهوي أغلبية الأحزاب بهدف الفوز بفترة رئاسية جديدة، ولقد فعلها، فما المترتب على تلك التصريحات والقرارات التي طالت الجزائر والدول المغاربية بشكل عام؟ مما لا شك فيه أن لهجة ماكرون اليوم تجاه المغرب العربي أقل صرامة مما كانت عليه قبل أشهر قليلة ومعدودة، فالأجندة مختلفة وتصب في ناحية الحرب الروسية الأوكرانية والشأن الداخلي وليس بالأمر الهين، فيواجه الآن الغضب الشعبي المتمثل في ارتفاع أسعار الطاقة بسبب الأزمة الأوكرانية والعقوبات الغربية المفروضة على روسيا، حيث يمهد ماكرون من خلال خطاباته بعبارات غير مطمئنة من أبرزها، «يجب على الفرنسيين الاستعداد لقبول دفع ثمن الحرية» خلال حديثه عن دعم فرنسا لأوكرانيا مشيرًا على أن فصل الشتاء سيكون صعبًا، كل هذه الأمور تجعل من عملية الموازنة بين السخط الداخلي والاستياء الخارجي تحديًا صعب الموازنة، لذا أعلن قصر الإليزيه حديثًا عن قيام الرئيس الفرنسي بثاني زيارة رسمية للجزائر، وستستمر لمدة 3 أيام لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين، وتعزيز سبل التعاون في مجالات عدة قد تكون في مجال الاقتصاد والأمن الطاقة باعتبار امتلاك الجزائر احتياطيا جيدا من الغاز الطبيعي، ويعمل بشكل معلن وغير معلن لاسترضاء الجزائر قبيل الزيارة، حيث خصصت باريس معرضًا لعرض الفنون المستوحاة من الثورة الجزائرية! نعلم جيدً أن الفن يعد أحد أذرع القوة الناعمة والدبلوماسية العامة ككل، إلا أن القوة النعمة مستترة في توجهاتها ومعلنة في ماهيتها، إنه الأمر الذي لم يطبقه ماكرون بشكل جيد حتى الآن، ونستذكر زيارته الفنية «للستات» فيروز وماجدة الرومي في لبنان خلال الأعوام الماضية في محاولة لم نر لها انعكاسًا سياسيًا إيجابيًا، وسيستمر ماكرون في المبادرة بالصلح بعد الإساءة خاصًة لروسيا، فالضغط الداخلي ليس بالأمر السهل انطلاقًا من مئات الضحايا نتيجة لفحات الحر غير المعهودة والحرائق، وصولًا إلى موجات البرد القارس التي ستشهدها فرنسا وأوروبا خلال أيام معدودة، فرفع العقوبات الأوروبية عن روسيا ليس مطروحًا خلال الفترة، ومنهجية «أجرح وأداوي» لن تنجح في خضم أزمة الطاقة.