د. محمد بن إبراهيم الملحم
تحدثت مسبقًا عن أهمية مدير المدرسة في الفكر الغربي كعميل تغيير Change Agent، والتساؤل: هل يمكن اعتبار مدير المدرسة لدينا هو من تتحدث عنه تلك الأدبيات! وأقول عندما تحاول المقارنة مع نموذجنا الإداري، فإن مدير المدرسة لا يملك كل الموارد التي شرحتها مسبقًا حول مدير المدرسة الغربي وليست لديه كل تلك الصلاحيات المالية، فهو مجرد منفذ لأوامر إدارة التعليم، وغالبًا ما يفتقر مديرونا إلى عامل «القيادة» الذي أسسنا هذه المناقشة عليه، فهم مجرد موظفين مطلوب منهم تنفيذ أوامر وتوجيهات وتنظيمات وتعاميم، ولكثرة أعدادهم نتيجة للكم الهائل من المدارس لدينا فإن الإدارة التعليمية لا تستطيع أن توفر مديري مدارس قياديين إلا لنسبة ضئيلة لا أظنها تتجاوز 20 % من مدارس كل منطقة أو محافظة، هذا عدا أن أن تنشئة أو «تكوين» قياديين للمدارس ليس همًّا تحمله الإدارات التعليمية أو حتى الوزارة وإن كان ذلك ضمن خطاباتها البلاغية الإنشائية التي تستقي مضموناتها عادة من التوجهات العالمية السائدة، وكذلك ما يُنشر من أعداد كبيرة للبرامج التدريبية التي تقدم الجهود الرسمية في هذا المجال من خلال لغة الأرقام بينما يظل الجانب النوعي محكومًا بمبادرات اجتهادية تظهر أحيانًا من مخلصين لكنها ليست هي السياق الرسمي الموزون والذي يتم قياسه ومتابعة أثره للاطمئنان أن المدارس يصلها قياديون وقياديات يمكن الاعتماد عليهم.
أمام كل هذه الملاحظات يبدو لنا أن مدير المدرسة الذي تتكلم عنه الأدبيات الغربية هو ليس مدير المدرسة لدينا، لذلك فليسوا هم «عملاء التغيير»، وأظن أننا يجب أن نعتبر عميل التغيير هو «مدير التعليم» فهو في الواقع من يملك الصلاحيات المالية والإدارية على نطاق مدارسه التي يشرف عليها، وأضم إليه مساعديه ومديري الإدارات التعليمية الذين يعملون معه (أي فريقه التعليمي) فمتى تم الاهتمام بهم وأحسن اختيارهم بحيث يكونوا من أصحاب الثقافة التعليمية العالية والخبرة العريقة والقدرة على التفكير وحسن التدبير فإننا يمكن أن نقول أن لدينا بيئة تغييرية مناسبة. وبالمناسبة فإن بعض الناس ينظر إلى مثل هذا التفكير بنوع من الإهمال لأن التغيير يكفيه أن يصدر بقرارات مركزية ويتولى الجميع تنفيذه باعتبارهم موظفين ينفذون ما يُملى عليهم، وأعتقد أنكم تتفقون معي أن من يفكر هكذا قد سبقه الزمن وأثبتت الأيام والتجارب (التي لم يبصرها قلبه وإن رأتها عيناه) أن ذلك مجرد تغيير شكلي لا روح له لا يقدم بل ربما يؤخر.
عندما نقول إن مدير التعليم يأخذ دور وكيل أو عميل التغيير بدلاً من مدير المدرسة فيساعدنا على ذلك أن التغيير في الغرب قد يكون في نطاقات إقليمية جزئية (الولاية مثلاً أو إقليم ما) لذلك يكون دور مديري المدارس مهما، بينما يتم التغيير لدينا على مستوى الدولة بكاملها بحكم مركزية القرار، ولذلك فإن مديري التعليم لدينا يأخذون هذا الدور بجدارة. هناك إشكالية قد تظهر وهي الخبرة التعليمية والإدارية المميزة لعميل التغيير هناك (أي مدير المدرسة في الغرب)، بينما قد لا تتوفر لمدير التعليم لدينا المستوى نفسه خاصة في الجانب التربوي، وأعتقد أن حل ذلك هو أنه يعوض بمن يمتلكون الخبرة التعليمية في نطاق فريق مدير التعليم مثل مديري الإدارات التعليمية كالإشراف التربوي والإرشاد والنشاط الطلابي ومعهم نخبة مهمة من مديري المدارس خاصة المدارس كبيرة الحجم. لذلك يجب العناية باختيار فريق مميز من هؤلاء، وتظل أهمية أن تولي المؤسسة الرسمية عنايتها في تكوين مديري تعليم مميزين سواء في الاختيار أو التدريب المكثف لمن تستهدف تكليفهم بهذه المهمة مع استمرار تثقيفهم بأبرز المستجدات وتقييم عطائهم في التطوير التعليمي قبل أدائهم الإداري البحت.