مها محمد الشريف
بعد أن ارتفعت صادرات النفط ومشتقاته من روسيا المحمولة بحراً بالناقلات في النصف الأول من أغسطس (آب) الحالي، بحسب بيانات شركات متابعة الناقلات حول العالم؛ بأن الصادرات الروسية وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ ارتفاعها القياسي ما بعد أزمة وباء كورونا في أبريل (نيسان) الماضي، من هنا نكرر السؤال: هل عرف الرئيس الروسي تماماً ما الذي يخشاه ومن ثم اتخذ إجراءات احترازية في وجه ذلك الخطر؟ على الرغم من أن العديد من الاقتصاديين يركّزون على التهديدات الهيكلية طويلة الأجل للاقتصاد الروسي، التي تسعى الحكومة والبنك المركزي لمواجهتها، فإن الانهيار الفوري الذي تنبأ به البعض لم يؤت ثماره.
هذه الأمور وسواها شكلت خيارات متاحة ووصل حجم الصادرات الروسية من النفط ومشتقاته المكررة إلى 6 ملايين برميل يومياً في المتوسط، خلال الأسبوعين الماضيين. ففي الفترة ما بين 1 و16 أغسطس (آب) الحالي، وارتفعت الصادرات الروسية من النفط الخام بمعدل 140 ألف برميل باليوم لتصل إلى 3.36 مليون برميل يومياً. وهكذا تواصل صادرات النفط الروسي الارتفاع فوق معدلات ما قبل الحرب في أوكرانيا للشهر الخامس على التوالي، وقد بدا واضحاً أن الوسيلة الوحيدة لحصد المزيد من المكاسب بعد أن ارتفعت صادرات روسيا من المشتقات النفطية للشهر الثالث على التوالي هذا الشهر، لتصل في فترة الأسبوعين الماضيين إلى 2.75 مليون برميل يومياً في المتوسط، وذلك أعلى معدل لصادرات المشتقات المكررة من روسيا منذ بدء الحرب في أوكرانيا والتي اهتزت على أثرها الهيمنة الغربية.
إذن، روسيا تمتلك القدرة على التأثير في تشكيل العالم بالطريقة التي ترغب، وطموحها جعل العالم خاضعاً لإرادتها، حتى إن أوروبا التي اعتمدت لسنوات على النفط والغاز الطبيعي الروسي في اقتصادها الصناعي، تلقت ضربة قاصمة. وتواجه الآن التهديد المتزايد بالركود، محاولة تجاوز المستحيل، حيث يخنق الكرملين تدفقات الغاز الطبيعي المستخدمة لتدفئة المنازل وتوليد الكهرباء وإشعال المصانع. وأسعار الغاز اليوم هي 15 ضعفًا ما كانت عليه قبل أن تحشد روسيا قواتها على الحدود الأوكرانية في مارس 2021.
فروسيا تضع معايير لنوعية كل الأشياء التي تفعلها، ولكن من جهة أخرى باتت قدرة الرأسمالية الجديدة متعاظمة وبلغت حدوداً لم يبق معها سوى حيز ضئيل للغاية أمام أي بديل محتمل عنها، فهذه حقيقة مدعاة للتأمل، في كشف الغطاء عن القدرة الداخلية المخفية، وما هي قدرتها على الصمود إذا طالت الحرب؟ وأين تكمن المخاوف من الاستنزاف الذي يلج كالضوء في المناطق المعتمة؟