منصور ماجد الذيابي
من بين التعريفات التي ذكرتها دراسات في مجال البيئة هو أن أشجار الدّوم تنحدر تحت صنف النخيل, وأنّها أشجار معمّرة تنبت عند منحدرات الأودية والمناطق الجبلية, وكانت زراعتها قد انتشرت في مصر القديمة وتحديداً في وادي النّيل. وتقول الدراسات إن المصريين القدماء اعتبروا شجرة الدّوم من الأشجار المقدّسة, وأنه سبق العثور على بذور الدّوم في العديد من المقابر الفرعونية مثل قبر توت عنخ آمون وفقاً لما ورد في هذه الدراسات.
وفي المملكة العربية السعودية وتحديداً في مدينة أم الدّوم التي تبعد نحو 200 كيلو متر إلى الشمال الشرقي من محافظة الطائف تقف هذه الأشجار باسقة وصامدة منذ مئات السنين, بل وتقاوم عوامل التّصحر والجفاف وقلة الأمطار لعدم تحقيق الاستفادة القصوى من مياه الأمطار الموسمية في حال هطولها كما أوضحت في مقال سابق بعنوان «مياه الأمطار والأمن المائي في بلادنا». وكان أحد كبار الشعراء القدامى أشار إلى موقعها الجغرافي في بيت من الشعر عندما قال:
حيّ ورى الطايف حدورٍ شماله
وشرق الجبال اللي بها برقة الذيب
اندثرت مع مرور الأزمنة الكثير من الأشجار والشجيرات والنباتات الصحراوية في صحراء الجزيرة العربية غير أن أشجار الدّوم قاومت كل العوامل المناخية وبقيت سامقة وصامدة أمام قسوة الطبيعة الصحراوية المتمثّلة في ارتفاع درجات الحرارة وندرة المياه الجوفية. وممّا يبرهن على هذا التّحدي والصّمود ما نشاهده اليوم على ضفّتي وادي أبو صلال وسط أم الدّوم حيث تضرب هذه الأشجار بجذورها في أعماق الأرض البعيدة مما يشير إلى قدرتها على الصّمود ومقاومة التّصحر والجفاف الذي أدّى إلى اندثار الكثير من النباتات في البيئة الصحراوية باستثناء أشجار الدّوم في مدينة أم الدّوم.
ان كان في البلدانِ من فاتنةٍ جذّابة
فهي أمّ الدّوم التي لجمالها نهواها
سافرت بحثاً عن مدائن ساحراتٍ
فلم أجد مثل أم الدّوم بلطفِ هواها
ومن يمعن النّظر في هذه الشجرة, فسوف يلاحظ أنها تتكون من مجموعة شجيرات تشترك جميعها في جذع واحد ممّا يدل على صلابة وضخامة الجذع وعمق الجذور في التربة. وعندما نتأمّل ونتفكّر في سبب بقاء هذا النّوع من الأشجار لمئات السنين, فقد نلاحظ أنّه في حال قطع أوراق الشجيرات في الجهة اليمنى من الشجرة الأم والإبقاء على الفرعين في أقصى الجهة اليسرى, فإنّه يتراءى لنا تشكّل لفظ الجلالة «الله» كما يبدو في الصورة المرفقة بعد أن قمت بمسح الأوراق وبعض الأغصان من الشجيرات الفرعية على يمين الصورة.
وكانت بعض الأبحاث العلمية أوضحت أن الدّوم هو أحد الثمار المفيدة التي بها نسبة عالية من الألياف ومضادات الأكسدة والزيوت الأساسية والفيتامينات والمعادن, مما يساعد على الوقاية من بعض الأمراض. ومن أهم الفوائد الصحية لثمار الدوم كما جاء في العديد من الأبحاث تقوية الأعصاب والحفاظ عليها من التلف الأمر الذي يساعد على مقاومة بعض الأمراض مثل الزهايمر والقلق, كما أن الدّوم يقوي الذاكرة بشكل كبير وفقاً لما نشرته الأبحاث الطبية التي تقول إن الدّوم مهم جداً في التخلّص من الدهون الزائدة بالجسم, وذلك لمحتواه الجيد من الألياف مما يساعد على فقدان الوزن.
وتضيف الدراسات أن الدّوم يساعد أيضاً على التخلص من مشكلة تساقط الشعر من خلال غسل الشعر بالماء الناتج عن نقع الدّوم به وبالتالي التّخلص من قشرة الشعر التي تحدث بسبب تعرّض فروة الرأس للجفاف, حيث يساعد الدوم أيضاً على التخلص من العدوى الفطرية أو البكتيرية المسببة للقشرة وذلك لاحتواء الدّوم على الفيتامينات والمعادن المختلفة التي تغذّي فروة الرأس وتحفّز بصيلات الشعر على النّمو. ويعتبر الدوم من النباتات التي أثبتت فاعليتها في التقليل من معدّل ضغط الدم المرتفع, حيث أكّدت العديد من الدراسات أن الدوم مفيد جداً في حالات ارتفاع ضغط الدم, كما أنه يساعد على التقليل من مستويات الكوليسترول الضّار وتعزيز الكوليسترول الجيد مما يساعد على استقرار ضغط الدم والحفاظ على صحة القلب.
من خلال هذه المعطيات والمعلومات البسيطة عن شجر الدّوم, وفي ظل اهتمام حكومة المملكة العربية السعودية بالتّشجير في بلادنا الغالية لا سيما بعد إعلان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله عن إطلاق مبادرة السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر أواخر شهر مارس الماضي, والتي نصّت على استهداف زراعة 10 مليار شجرة لخفض الانبعاثات الكربونية والتّصدي لأزمة المناخ كما أوضحت سابقاً في مقال بعنوان «تحويل الصحراء إلى مروج خضراء», فحبّذا لو يتم استنساخ وزراعة هذا النوع من الأشجار على جانبي الطرق الرئيسة بين الرياض والطائف وبين الرياض والمنطقة الشرقية نظراً لجمال أشجار الدّوم من ناحية وقدرتها على تحمّل الآثار الناجمة عن التّغير المناخي من ناحية أخرى.
سقى الله أم الدّوم والبيداء حولها
بماءٍ زُلالٍ من المزنِ ينسابُ