سارا القرني
يقول ابن كثير في «البداية والنهاية» وبسندٍ ينتهي لابن عباس وابن مسعود، وناس من الصحابة رضوان الله عليهم إنهم قالوا: أُخرج إبليس من الجنة، وأُسكن آدم الجنة، فكان يمشي فيها وحشيٌ ليس له فيها زوج يسكن إليها، فنام نومة فاستيقظ وعند رأسه امرأة قاعدة، خلقها الله من ضلعه، فسألها من أنت؟ قالت: امرأة، قال: ولمَ خُلِقت؟ قالت: لتسكن إلي، فقالت له الملائكة -ينظرون ما بلغ من علمه-: ما اسمها يا آدم؟ قال: حواء، قالوا: ولمَ كانت حواء؟ قال: لأنها خلقت من شيء حي.
العاقل السويّ يفهم من القصةِ أنّ حياةَ الوحدة موحشة وإن كانت في جنّة، كما يقول المثل الدارج «جنة بدون ناس ما تنداس»، لكنّ الله ابتلانا بثلةٍ من الناس يفهمون الدين من القصص ويتركون القرآن خلفَ ظهورهم، كما يفعل بعض المتطفلين جهلاً على قضايا المرأة بدعوى نصرتها دون مفاهيم صحيحة، وكذلك المتطفلات من النسويات ذوات الفكر الضيّق، هاتان الفئتان تستشهدان بالقصة على أنها دليل زواج الرجل من امرأةٍ واحدة وأنها تكفي، وأنّ التعدّد ظلمٌ للمرأة وقضيةٌ كانت تناسب مرحلةً من الزمن لكنها لا تصلحُ لزمننا الحالي!
المناداة بالزوجة الواحدة أمرٌ لا أتحدثُ فيه.. وإن كان حقاً مشروعاً يكفله الدين قبل الأنظمة، لكنّ تحييد الآيات لتصلح في زمنٍ ولا تصلح للآخر –لخدمة مصالح فئةٍ معينةٍ- أمرٌ لا بدّ أن نقف لهُ ونناقشه، القرآن في آية التعدد لم يتكلم عن «اكتفاء الرجل» أو حاجته، ولم يدعُ القرآن من الأساس لتعدّد الزوجات بل جاءَ لينظّم ما كان موجوداً على أرض الواقع من قبل، بل وكان سياقُ الآية عن الحدّ الأعلى للزوجات، إذ إنّ الرجال في ذلك الزمن كان بعضهم قد جمع عشر زوجاتٍ كما جاء في مسند الإمام أحمد أن غيلان بن سلمة الثقفي رضي اللهُ أسلم وتحته عشر نسوة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «اختر منهن أربعاً»، وتحدّث القرآن في آية التعدّد عن مساواة المهر بين اليتامى وغيرهنّ من النساء كما قال بعض المفسّرين!
أما الخوفُ من عدم العدل في الآية ليسَ المقصودُ بهِ عدل النفقة، بل هذا هو المستطاع الذي أمر اللهُ به، ويفهمه الكثيرون خطأً وجهلاً، لكنّ العدل غير المستطاع هو عدل الحبّ وتوابعه، كما قالت أمنا عائشة رضي اللهُ عنها: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ويقول: «اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك»» وهذا هو العدل المقصود!
في المقابل.. تجد من يدافع عن التعدّد باستماتة ينثر لك الإحصائيات عبر نقلٍ لا دليل عليه بأنّ النساء في العالم أكثر من الرجال بنسبة 3 أو 4 نساء لكل رجل، لكنها إحصائية لا تمتّ للواقع بصلة، ففي 2019 نشرت شعبة السكان في الأمم المتحدة في تصريحها لوكالة فرانس برس أرقام النساء والذكور حسب أحدث التوقعات السكانية في العالم وهي 3.82 مليار أنثى مقابل 3.89 مليار ذكر، وفي بلدي الحبيب المملكة.. فإنّ تقرير هيئة الإحصاء 2020م يوضّح أنّ نسبة الذكور 57.78% من إجمالي السكان، والإناث 42.2% من إجمالي السكان، فاطمئنوا يا معشر النساء.. لو تزوج كلّ رجلٍ على وجه الأرض بامرأةٍ واحدةٍ فقط، سيبقى 700 مليون رجل دون زواج!
أن تقبلوا التعدّد أو لا تقبلوه، حرّضتم عليه أم لم تحرّضوا لا يزال قراراً يعود لكم ولا شأن لأحدٍ فيه، لكنّ تناول الآيات والأحاديث دون علم، والحكم بناءً على قصص وأحداث وليس نصوصاً معتبرة هو الجهلُ بأمّ عينه!