رمضان جريدي العنزي
التواضع قيمة حضارية وليس قيمة سلبية، أو مظهر من مظاهر الضعف والهوان كما يتصور البعض، إنه القرب من الناس، والتعامل معهم بيسر وسهولة ولين ولطف ورحمة وحب وود، والله سبحانه وتعالى لم يميز فرداً دون آخر إلا بما يحمل من صفات الصلاح والطهر والتقوى، فأكرم الناس عند الله أتقاهم وأكثرهم تواضعاً ولين جانب وأعظمهم خلقاً. إن التواضع صفة محمودة تدل على طهارة النفس وبياض القلب وشفافية الروح، والتواضع من صفات المؤمنين، قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}، وقال تعالى: {وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً}، وقال تعالى أيضاّ: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، والآيات الكريمة في هذا الشأن كثيرة، وقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على التواضع ونادى به، لأنه عكس الكبر الذي يؤدي بصاحبة إلى الدرك الأسفل من النار، حيث قال: (إنّ الله أوحى إليّ أنْ تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد)، إن التواضع خلق حميد، وجوهر لطيف، وصاحبه يستعبد القلوب، والتواضع له أوجه كثيرة، فبشاشة الوجه تواضع، والسكينة والوقار والاتزان تواضع، والتعامل اللين مع الناس وقضاء حوائجهم ومشاركتهم تواضع، وعدم التعالي والتكبّر والترفّع تواضع، أن التواضع لا يتصف به إلا سوى أصحاب النفوس الكبيرة، عكس الغرور الذي هو حب الإنسان لنفسه وزهوه بها، واتباع الهوى، والميل نحو التكبّر والتعالي والترفّع، والانخداع بالذات، قال تعالى: {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ}، أن الغرور مرض، وهو شعور بالنقص، وعدم الثقة بالنفس، وهو صفة ذميمة، وفيض ينبعث منه الكراهية، وهو سبب من أسباب لؤم النفس وانحرافها، ومن يتصف بالغرور لديه ضعف إيماني، ولديه انخداع كبير بالدنيا ومباهجها ومفاتنها، ويركن إليها ركوناً تاماً، فيتناسى زوالها وفناءها، وما يعقبها من حياة أبدية خالدة، وهو لم يقرأ أو يتمعن جيداً بالآية الكريمة: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُمُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}. إن الغرور مقبرة النجاح، ونهاية الإنسان، وفساد في العلاقات، ومن الصفات السيئة المقيتة، قاتل الله الغرور، فكم أضاع أناساً كانوا ملء السمع والبصر، وأدى بكثير منهم نحو الهاوية والمستنقع. إن التواضع عكس الغرور، فالتواضع زينة وجمال ونضارة، والغرور بشاعة وقبح ورداءة.