مشعل الحارثي
علي سعد الخرجي هل لازلتم تذكرون هذا الاسم الذي طالما أسعدنا وأدخل البهجة في نفوسنا بريشته ورسوماته الكاريكاتورية على صفحات جريدة الرياض ثم جريدة الجزيرة منذ أكثر من نصف قرن من خلال شخصية (أبو صالح) صاحب النظرة العميقة والأسلوب الناقد الجريء والخطوط التي تمتاز بالدقة والوضوح والأصالة في معالجة كثير من القضايا الاجتماعية في مجتمع ناهض لم يتعود آنذاك على النقد تلميحاً أو تصريحاً.
لقد غمرتني السعادة وأنا ألتقي هذا الرمز الراحل من رموزنا الثقافية الفنية على هامش الملتقى الأول لرسامي الكاريكاتير المنعقد بمدينة جدة في الفترة من 3 - 12 ربيع الأول 1429هـ الموافق من 9 - 18 إبريل 2008م ، برفقة مجموعة من رموز هذا الفن محلياً وعربياً ومنهم أيضاً ابن مدينتي الطائف الفنان والرسام السعودي حماد سيف الجعيد الذي انطلق من جريدة الجزيرة ثم جريدة الندوة ومجلة إقرأ وغيرها من المجلات الأخرى.
لقد كان لقائي به لدقائق معدودة بين استراحة جلسات الملتقى وكانت بمثابة جلسة تعارف وتمهيد للقاء صحفي موسع في قادم الأيام ولكنه لشديد الأسف لم يتم لسفره في نفس اليوم للرياض ثم تعرضه بعد ذلك للمرض حتى وفاته رحمه الله في شهر جمادى الأولى عام 1432هـ، إلا أنني دونت بعض الملاحظات السريعة في تلك الجلسة العابرة في وريقات كنت أحملها معي علها تكون منطلقاً لحواري معه في قابل الأيام، وكان مما ذكره لي معاناته الكبيرة في التنقلات العديدة التي مر بها في مسيرته الوظيفية منذ أن كان بالعراق برفقة والده تاجر الخيول المتنقل ما بين نجد والعراق وأوروبا والهند والذي اختار لتربية خيوله مزرعة للنخيل في قرية (المطيحة) بالبصرة، وبمدينة البصرة تلقى الخرجي تعليمه الابتدائي والثانوي وكان من طلاب الراحل الأستاذ عبدالله القصبي رحمه الله والد وزير الإعلام معالي الدكتور ماجد القصبي والذي كان يدرس مادة الأدب العربي في ثانوية البصرة، ثم التحق بمعهد الفنون الجميلة ببغداد وتخصص في النحت والزخرفة وبعدها سافر إلى بريطانيا، وبعد عودته التقى الأستاذ سليمان العمران من أهل نجد الذي عرض عليه أن يعود للسعودية، وفعلاً وصل إلى مدينة عرعر وتعرف آنذاك على الأستاذ عبدالله البسام مدير إدارة مراقبة الأجانب (الجوازات) وعمل معه بوظيفة مترجم، وبعدها وبناءً على طلب ابن خالته الفنان عبدالجبار اليحيى انتقل للعمل بمدينة جدة بمكتب السكة الحديد بوزارة المواصلات، ثم التحق بدورة أخرى بالقاهرة وحصل منها على دبلوم في التربية الأساسية تخصص وسائل سمعية وبصرية وعند عودته عمل مدير قسم الوسائل بوكالة الوزارة للشؤون الاجتماعية، ثم عمل رساماً هندسياً بوزارة المالية وكان إلى جانب ذلك يقوم بعمل الرسوم الكاريكاتورية، كما عمل لفترة بالإذاعة والتلفزيون بالرياض وكان يقدم برنامجاً للأطفال، كما أقام عدداً من المعارض لفن الكاريكاتير في خارج المملكة.
والفنان الراحل علي الخرجي رحمه الله يعتبر أحد المؤسسين الأوائل لفن الكاريكاتير السعودي وممن وضعوا البذرة الحقيقية لانطلاق هذا الفن الذي أخذ مع الأيام انتشاره الواسع في الصحف السعودية ونال حظه من التطور والرقي فيما يطرحه من معالجات وقضايا اجتماعية وكان أثره جلياً فيما أصبحنا نقرأه ونستمتع به من رسومات لعشرات من فنانينا السعوديين أمثال حمزة الجعلي، محمد الخنيفر وشخصية (سلطانة)، إبراهيم الوهيبي، عبدالسلام الهليل، عبدالرحمن العتيبي (هاجد)، أحمد المغلوث، ربيع، فهد الخميسي، سعود الماضي، علي الغامدي، يحيى شريفي، علي القحيص، رشيد سليم، خالد، عبدالله جابر وغيرهم.
ولأنه الاستثناء في كل شيء فقد كان للراحل معالي الدكتور غازي القصيبي رحمه الله اهتمامه وعنايته الخاصة بفن الرسوم الكاريكاتورية إيماناً منه بدورها وتأثيرها في الرقي والتطور وزيادة الوعي ونقدها الإيجابي الهادف للإصلاح وتحسين الأحوال المجتمعية فكان من أكبر الداعمين لفنانيها، وكان يساهم في إقامة ملتقى سنوي خاص لهم بساحة وزارة العمل ويقتني أعمالهم ويعرضها لهم في أروقة وممرات وزارته.
وعوداً على بدء أقول إنه في لقائي بالراحل الأستاذ علي الخرجي قال لي إن من أهم أمنياته ومطالبه تأسيس جمعية أو رابطة لرسامي الكاريكاتير السعوديين تعنى بشؤونهم واهتماماتهم وتلبي تطلعاتهم وبما يعطي زخماً أكبر للعطاء والإبداع السعودي، وقد تأسست هذه الجمعية فعلاً قبل رحيله بعامين بتاريخ 23 ذو القعدة 1430هـ برئاسة فنان الكاريكاتير القدير عبدالله صايل ونفر قليل من المهتمين، ورغم ما تعرضت له الجمعية في بداياتها من مصاعب وعراقيل مالية إلا أنها صمدت وانطلقت من جديد لممارسة أعمالها ونشاطها في نشر وتعزيز هذا الفن، وقد أفاد رئيس الجمعية في إحدى تغريداته أن عدد أعضاء الجمعية المسجلين بها يتجاوز الـ (100) فنان وهو ما يبشر بمستقبل إيجابي لهذه الجمعية الفتية حتى لا يموت هذا الفن العالمي بعد أن تراجعت الصحافة، ولكونه يمثل وجهاً آخر من وجوه الأدب الساخر الذي لم يلقَ هو الآخر العناية والاهتمام الكافي به والذي أطلق عليه البعض لأهميته مسمى (نكتة الحياة اليومية).