أثناء الإقامة في جزيرة سونيفا جاني وسونيفا فوشي ومنتجعهما الحالم، كان من حسن الحظ تزامن زيارتي مع يوم الأحد الذي يحوي أسبوعياً حفلة «كوكتيل تيبل» لجميع مرتادي المنتجع. تحدثت مع مديرة المنتجع امرأة هولندية تبدي سعادتها بالعمل في مكان يمنح الاستجمام والسعادة للآخرين. ثم أتت طبيبة هندية يقال لها سميتا، قضت 8 أعوام تدرس الطب التقليدي بالهند ويبدو أنها متخصصة في الجانب النفسي والسلوكي والفكري. بادرتني الحديث وهي مبتهجة هل أنت من الرياض؟ أخبرتها نعم؟ قالت قضيت 6 أشهر جميلة في حياتي بحي المونسية بالرياض، ووجدت تطوراً يذهل هناك وذكاءً وتعلماً لافتاً لدى الجيل الجديد، إلا أن الإرهاق والضغوط النفسية واضحة لدى الجيل الجديد الصاعد.

كانت تبدي إعجابها وانبهارها بمستوى الوعي الملحوظ لدى جيل الشباب السعودي سواء حين رأتهم بالرياض أو من زوار المنتجع. كونها متخصصة في الجانب النفسي والسيكولوجي وتقوم بخدمة الزوار من هذا المنطلق كون المنتجع يعد أيضاً مناسباً للاستشفاء الصحي. تطرقنا وتشعبنا كثيراً بالحديث حول تخصصها وحول ضغوط الحياة في المدن ورتم الحياة السريع وضغوط العمل وضرورة الاتزان بين الجانب العملي والروحي والعقلي والجسدي.

لم يقتصر الحديث عن الجانب النفسي فحسب، بل تغيير الأجيال وضرورة المحافظة على القيم ونقلها للأجيال. عمق الحوار معها، استمرت لأكثر من ساعة دون أن نشعر. كانت تؤكد أن أول 15 ثانية هي التي تحدد موقفنا من أي حدث، لذا كن دائماً قوياً واثقاً متفائلاً ولا تدع اليأس ينساب إليك. كانت تقول أيضاً حافظ على أول 90 ثانية لتحديد الرد المناسب في حال كان التعامل معك سيئاً أو بشكل غير مهذب.

لا تقبل الإساءة ولكن تعامل معها بعد تفكير وبطريقة غير منفعلة كي لا يرتفع مستوى الدم وتتأثر صحتك.

فكّر أن هذا لمصلحتك وأن الشخص الذي استفزك لا يستحق أن تتعب صحتك لأجله.

تحدثنا عن كل شيء عن الاختلاف الثقافي، تغيير الآخر، تقبل الآخرين كما هم، الاختلاف بين الرجل والمرأة، تربية الجيل الصاعد، الحفاظ على الإرث التقليدي في العادات ونقلها للأجيال.

تحدثت لي عن مفهوم التعدد الصحيح بالإسلام ورمزية المناسبات الدينية وفلسفاتها رغم أنها مسيحية، كانت تؤكد أن رمضان له دور في تهذيب الإنسان وتعليمه الصبر من خلال الصوم، لكن هذه الرمزية تحولت لنوم بالنهار وأكل مستمر بالليل (شهدت رمضان في قطر).

تقول نحن لم نختر ألواننا ولا جنسيتنا ولا والدينا لكن علينا أن نتصالح مع القدر. نطرق الأبواب وإذا لم تتيسر نتركها لحظة ثم نعود لاحقاً ونجرب.

تكلمت عن التربية الاتكالية، تقول لا تقوم بالأمر بنفسك عليك أن تعلم الجيل الجديد كيف يقوم بكل شيء بنفسه وتراقب من بعيد حتى يعيش حياته.

تطرقنا لأحاديث كثيرة ولم نشعر أن كل الضيوف ذهبوا للمطعم ونحن واقفين ولا نريد أن يتوقف الحديث. قد تبهرنا المنتجعات خصوصاً الفاخرة كسونيفا جاني وسونيفا فوشي، والتجارب أيضاً ولكن يظل لقيا البشر والحديث معهم من مشارب وثقافات مختلفة يؤكد ويعزز نقاطاً مشتركة تظل ثابتة ومهمة في أي مجتمع أو ديانة أو فكر. ويظل الوعي الاستبصار بالتغييرات السريعة والتأقلم والتغلب عليها بالقيم والقناعة والمبادئ أهم من كل نجاح عملي فقط.