علي الخزيم
يستمر الإنجاب بلا تقنين وتخطيط للأوضاع المعيشية للأسرة، لاسيما لدى فئات تُعد من ذوي الدخل المحدود جداً، وهذا ما قدَّره الله لهم ولكن يجب أن يعرف الإنسان حدوده ويعمل بالأسباب ليعيش عيشة كريمة، وتنظيم النسل بات من الضروريات، وظاهرة تَحسُن معالجتها من جهات الاختصاص بما يتفق مع الشرع الحكيم والأنظمة المتبعة، إذ تعاني منها - دون أن تدرك - معظم الفئات ذات الدخل المنخفض والتعليم المُتدنّي، ومن أولئك من إذا حدثتهم عن الموضوع واجهوك بالحديث الشريف المتضمن: (إني مفاخر بكم الأمم يوم القيامة)، وأنقل عن الموقع الرسمي لسماحة الإمام عبد العزيز بن باز غفر الله له؛ رداً على سائلة بهذا الشأن تضمَّن: (أما إذا كان هناك ضرر لعدم القدرة على التربية المشروعة، فلا مانع أن تتعاطي بعض الحبوب التي تمنع الحمل مؤقتاً حتى تتمكني من الرضاع والتربية المناسبة الشرعية)، وقرأت شروحاً لفحوى الحديث تقول: (وأما مباهاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمته، فلا تكون من خلال كثرة أعدادهم فقط؛ وإنما بما قدموا للبشرية من علم وحضارة وإنجاز، أما من ناحية الكم والعدد فقط فقد ذمَّه النبي بحديث آخر قال: (غثاء كغثاء السيل) أي العدد الكثير الذي لا وزن له، فيمكن القول إننا بداية نجعلهم ممَّن نفاخر بهم وبصلاحهم وفلاحهم بالدنيا، ثم سنجدهم بعون الله ممَّن يُفاخَر بهم بالآخرة.
وثمَّت حديث تم نشره صحفياً عن توجّه قريب نحو إجراءات للتشجيع على التنظيم الأمثل للأسرة، مع إطلاق حملات تُشجّع على قرارات واعية بشأن عدد أفراد الأسرة، ودراسة الوضع الراهن عن الصحة الإنجابية بمناطق المملكة، ويشار إلى أن مجلس شؤون الأسرة هو الجهة الرسمية المنوط بها مثل هذا الأمر، ومفهوم تنظيم الأسرة سلوك حضاري يوفر للزوجين (اتفاقاً) الخيار المناسب للتحكم بمواعيد الإنجاب حسب ظروفهم ومقدرتهم بإشراف طبي، فتجديد نمط الحياة بهدف تحقيق جودتها لا يعني الميل لمخالفة الأعراف والتقاليد، فمن الحكمة والشجاعة مراعاة مُتغيِّرات العصر ومعطيات الحياة المتجددة للتعامل معها بمرونة منطقية عقلانية تجلب لنا أسباب الراحة وتُلِقي عن كواهلنا كثيراً من الأعباء التي نُحمّلها أنفسنا بتقهقرنا عن مواجهة كل مُستَجد بحياتنا خوفاً من نظرات المجتمع التي هي الأخرى تَرقُب من يبادر لتجعله المثل المُحتذى، ليس خوفاً إنما مراعاة لخواطر بعض المُحيطين بهم من التقليديين النَّمطيين خشية نقدهم أو شماتتهم، وهنا المفترض أن نعيش الحياة من أجل أنفسنا بقناعاتنا السليمة المنضبطة؛ لا من أجلهم وإرضاء أفكارهم الجامدة.
وحين نكون مَرِنين مع متغيّرات الزمن فليس لأننا نحيد عن جادة الصواب أو نتمرد على الشرع والنظام، إنما هي الأزمان وأحوال الناس تتجدد وتتطور من جيل لآخر كما يريده الله سبحانه لخلقه، والتَّحديث المراد يقترن بأهداف محمودة لصالح الفرد والمجتمع، وليس لمجرد المظهر العبثي والتعلُّق بالقشور دون جوهر الموضوع الحضاري، وهكذا هي سنة الحياة لا جمود ولا خمول، وإلَّا لبقي الإنسان بين الكهوف والغابات تغلبه الحيوانات بتطوير سلوكها المعيشي وهو يتفرج كالعاجز عن مجاراتها.