العقيد م. محمد بن فراج الشهري
لم يعد الإرهاب في أوروبا يقتصر على أنماط التنظيمات الإرهابية التقليدية مثل «الجيش الجمهوري الإيرلندي» ومنظمة «إيتا» في إسبانيا، و»الألوية الحمراء» في إيطاليا وغيرها فقد برز في السنوات الأخيرة نمط إرهاب الجماعات الجهادية المتشددة التي استهدفت المطارات ومحطات النقل ودور العبادة وأماكن السياحة وغيرها. وأصبحت الدول الأوروبية أكثر عرضة للأيديولوجيات العنيفة في ظل مشاركتها في التحالف الدولي لمكافحة داعش منذ عام 2014م والجماعات الراديكالية لم تعد وحدها تمثل إزعاجاً لأوروبا بل تتنامى المخاوف من المتطرفين اليمينيين برغم أن المتطرفين اليمينيين كانوا على مرأى قريب للغاية ولهم نشاط ملحوظ في المجتمعات الغربية حيث نفذوا هجمات منتظمة على الأقليات خلال العقد الماضي.
وتتسم الجماعات المتشددة في أوروبا بعديد من الخصائص أهمها:
- أن بعضها جمعيات محلية نشأت في ظل توافر بيئة دعمت نمو التطرف من بينها ازدياد عدد معتنقي الإسلام الذين أصبحوا متطرفين بفعل التأثر بتوجهات التيارات المتشددة في أوروبا فضلا عن تصدر اليمين المتطرف المشهد في الغرب واعتماده خطاباً محفزاً للكراهية ضد الآخر المسلم.
- أن الجماعات الإرهابية تنظر إلى أوروبا بشكل متزايد على أنها هدف بحد ذاته وبحسب تقرير وكالة الشرطة الأوروبية يوروبول الصادر في يونيو 2018م، فإن هجمات الإرهابيين ضد أهداف أوروبية زاد في العام 2017م بأكثر من الضعف مقارنة بالعام 2016م.
- تدعم الجماعات والكيانات الإرهابية في أوروبا بعضها البعض في الوقت التي تغض التيارات اليمينية في أوروبا الطرف عن حوادث الكراهية ضد المسلمين ففي المقابل بعض الجهاديين الذين نفذوا هجمات إرهابية في بلدان أوروبية نالوا دعم خلايا نائمة في أوروبا.
- الخبرة توحي بطريقة الهجمات التي شهدتها القارة الأوروبية العجوز أن الأفراد الذين نظموا الهجمات يمتلكون خبرة كافية للقيام بذلك.
- الخلايا النائمة تعتمد الجماعات الإرهابية على العناصر غير المرصودة أمنيا والتي يطلق عليها الخلايا النائمة وقد لا يكون لها سوابق في الانخراط في تنظيمات جهادية.
- عناصر غير معروفة: تشير تقارير إلى أن منفذي بعض الحوادث الإرهابية في أوروبا سواء من التيارات اليمينية أو الجهادية من الهواة الذين يؤيدون العنف بمختلف اتجاهاته وتوجهاته.
تصاعد الإرهاب في أوروبا:
أسباب متعددة:
يمكن القول إن ثمة عوامل عدة ساهمت في انتشار ظاهرة إرهاب اليمين المتطرف بجانب الجماعات الجهادية والتحريض عليه في الغرب تتمثل في:
- الاستخدام المرن للإنترنت حيث أدي الإنترنت دورا لا تخطئه عين في تصاعد الإرهاب بأشكاله المتشابكة في أوروبا في انجاز المهام ذات الصلة بالدعاية والتجنيد والتدريب وجمع وتداول المعلومات والتمويل.
- تصاعد حدة عدم الاستقرار في عدد من الدول الأوروبية بفعل تدهور الأوضاع الأمنية على خلفية اللاجئين من دول الصراعات.
- الانسياق وراء الفتاوى المتشددة مثلت أحد مغذيات الإرهاب في أوروبا وكشف عن ذلك المؤشر العالمي للفتوى GFI التابع لدار الإفتاء المصرية حيث أكد في تقريره 2018م أن فتاوى أسامة بن لادن والقرضاوي كانت المرجعية لمستخدمي الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل في الدول الأوروبية وأسست للعنف داخل المجتمع الأوروبي.
- رفع الحواجز الحدودية: تستغل التنظيمات الراديكالية الحدود المفتوحة بين دول الاتحاد الأوروبي بموجب اتفاقية الشنجن التي تكفل حرية التنقل بين دول الاتحاد دون جواز سفر.
- العائدون من مناطق الصراعات: ويمثل المتطرفون العائدون من مناطق القتال في سوريا والعراق وغيرها إلى أوروبا تهديدا أمنياً مباشراً.
- السجون: تعد السجون في أوروبا إحدى أدوات محاصرة ظاهرة الإرهاب والتشدد غير برامج تأهيل استهدفت إعادة ضبط مصنع الأفكار للمتطرفين والمحليين على حد سواء وإعادة الوعي الجمعي لمنظومة القيم والتوجهات العقائدية لهم عن طريق ما عرف بالمرجعيات الفكرية وشهدت السجون الأوروبية ارتفاعا ملحوظا في أعداد النزلاء المتشددين في العام 2016م مع عودة المتشددين إلى ديارهم، لعب خيار الاحتجاز للعائدين دوراً نوعياً في الحد من الإرهاب في أوروبا في أوقات سابقة ولكن اليوم لم تعد كافية العقوبات المغلظة في السجون لوأد التطرف في عقول الإرهابيين الذين يعتنقون الفكر التكفيري الذي يتبناه داعش.
- فشل سياسات الاندماج وصعود اليمين المتطرف: ضعف سياسات التعددية الثقافية والاندماج التي تتبعها الحكومات الغربية كانت أحد مصادر تغذية الإرهاب وأحد أسباب التحاق الأوروبيين بتنظيم الدولة الإسلامية «داعش» وبالتالي فإن فقدان الهوية يعد مشكلة كبيرة ومصدراً من مصادر الإرهاب داخل الدولة الأوروبية واعترفت العديد من الأجهزة الأمنية في أوروبا بأن التهميش وتخلي السلطان الأوروبية عن الأحياء الشعبية الفقيرة وراء تنامي موجات التطرف في كثير من ضواحي أوروبا.
- المساجد: تفتقد أوروبا لإحصاء دقيق لعدد المساجد لاسيما هناك بعض المنازل تحولت إلى مساجد وزادت المخاوف في دول الغرب من بعض المساجد التي تعتبرها مواطن لترويج خطاب ديني متشدد.
- الاستهداف الرمزي للنماذج الدينية وإحياء الماضي المجيد يرتبط تصاعد الإرهاب في أوروبا بسعي التيارات المتطرفة سواء الجهادية أو اليمينية المتطرفة لاستهداف الغرب باعتباره رمزية النموذج العلماني الذي يعلي مبدأ فصل الدين عن الدولة واستهدفت هجمات اليمين المتطرف للمساجد ودور العبادة وبدا ذلك في الهجوم الإرهابي المزدوج على مسجدين بمدينة كرايست تشيرش بنيوزيلندا ومن قبلها حادث استهدف مصلين في لندن 2017م أسفر عن قتل ستة أشخاص.
خلاصة القول إن ثمة العديد من الأسباب التي تمثل رواد مهمة لتغذية الإرهاب في الغرب وتوفر بيئة خصبة لشتل بذور إرهاب الجماعات الراديكالية جنبا إلى جنب مع عنف التيارات اليمينية المتطرفة التي أذكت خطابا عدائيا ضد المسلمين في الغرب وبدأ من الوسائط الالكترونية مرورا بالمساجد والخطباء المتشددين وصعود الأحزاب اليمينية إلى صدارة المشهد في أوروبا انتهاء بالجهاديين الأوروبيين العائدين من مناطق الصراع والسجون التي باتت أحد مصادر التغذية للتطرف في أوروبا وكذلك ضعف ردود فعل الحكومات الغربية ضد العنف الممنهج لليمين المتطرف ضد الآخر المسلم.