عندما يختلف البشر في النّشاط العقلي أو الفكري قوَّة وضعفاً وفهماً ووعياً وقدرة واستيعاباً، ويتجلى هذا التّفاوت بين البشر في طريقة تعاملهم مع أفراد المجتمع فهي لا تخرج عن أمور عدَّة تتمثل في النَّشاط الفكري ومساره وثماره.
سواء كان الأمر ماضياً موروثاً أو حاضراً مستورداً أو واقعاً ملموساً أو نصّاً مقروءاً أو مسموعاً أو مرئياً... حيث ينحصر دور العقل في هذا الأمر فإن العقل يتحرك ضمن إطار الثقافة المقروءة والمرئية والمسموعة - وفي حدوث الأزمات تختلط الأمور في أذهان الكثير، وتكثر الآراء والاختلافات والمشاحنات وتضطرب النّفوس اضطراباً يُفقدها اتزانها وثباتها وكثيراً ما تغيم الرؤية فترى عيون النَّاس أشباحاً في وضح النَّهار، وتتحرك مواكب الأوهام وخفافيش الظلام التي تزيد من حدَّة الاضطراب وتوقد نار اليأس وتبث الشكوك في نفوس الكثير.. هذا هو شأن الأزمات البشريَّة في كلِّ زمانٍ ومكانٍ... وكثيراً ما تذهب هذه الأزمات باستقرار النَّاس وتقضي على هدوء حياتهم وتفسح المجال للخلافات الحادَّة التي تستغلها بعض الأيادي الخفية، والوجوه المقنَّعة للوصول إلى الأهداف. وفي وهج الأزمات تتحَّرك طوابير الحقد والحسد وتنكشف أوامرهم فالبعض يظنون بهم خيراً في ارتداء عبادة الإسلام وفي مطالبتهم لكل أمر دنيوي، أو إصلاحي باسمه حتى تنكشف نواياهم وأهدافهم وغاياتهم البغيضة أسال الله السلامة من مضلات الفتن، والعافية من كل سوء.
فإن تصرفاتهم تضلل البسطاء، وتستهوى الضّعفاء من أفراد المجتمع بروز هذه الظاهرة على السّطح إيذاناً بتحول القلوب، واستمراءً لتقلَّب النّوايا وترغيب في مسلك من ذكر الله عنهم تبكيتاً وتأنيباً ويقول الحق تبارك وتعالى: (كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) سُورة الصّفّ آية 3.
ومن يمتطى صهوة اللِّقاء بإخلاص وأمانة وعدل ومساواة لدى الفئة المدعوة للقاء فإن عليه أن يكون قدوة في نفسه، وأن يطلب بعمله هذا ما يرضي الله وحماية دينه، والدنيا ومآربها تأتي تباعاً من حيث لا يدري لأن المفوض هو من يعرف دوره في العمل والبعض من البشر لديهم حواس عديدة تلتقط العثرات التي لا تستر إلاَّ بالنية الصّادقة والعقيدة السليمة مع الباري عزَّ وجلَّ.
فقد قال نبيُّ الرَّحمة محمَّد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه في حديث رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)) وعندما تختل النية هيأ الله لصاحبها أعمالاً تفضحه على رؤوس الأشهاد كما قال الشاعر الحكيم:
ومهما تكن عند امرئ من خليقة
وإن خالها تخفى على النَّاس تعلم
فيجب على المرء المفوض أن يتحلى بالصدق، والأمانة، والإخلاص، والحلم، والبصيرة، والموعظة الحسنة. فإذا لم يحسن المفوض المداخل إلى النصيحة تحوَّلت إلى فضيحة وسب ومهاترات وتعصب للنفس وجحود ونكران وبعد هذا وذاك فإنه يبتكر الأكاذيب ويجسم الوقائع بطريقة مبتذلة ليبرر موقفه الحاقد والحاسد تجاه الآخرين.
فمن هو يا ترى الحريص المهتم، ومن هو المتحمس بصدق وأمانة وإخلاص ومن هو المتربص؟ !!
أسئلة كثيرة تمر بالإنسان، وهو يستعرض الوقائع، ويتابع ما يقال هنا وهناك عن فئة ظهر منهم ما كان مكنوناً، وتبين من نواياهم ما كان خفياً, فرد يطرح طرحاً حقيقياً لحل هذه الأزمة، وذاك يطرح طرحاً غير واقعي، والآخر يطرح طرحاً عقلانياً وقليل جداً من يطرح الطرح المعتدل المبني على العدالة والمساواة - ويقول الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه: (وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) سُورة النِّساء آية 25.
صحيح أن الحساد والحقاد يخططون ويعملون، وينسجون في الخفاء خيوط المؤامرة ولكن بالرغم من ذلك (إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) سُورة آل عمران آية 120.
وأنا من هذا المقال القصير المتواضع أنادي إخوتي القراء الأعزاء في هذا المجتمع المترامي الأطراف عليكم بالأمانة والصدق والعدل والمساواة بين إخوتكم حتى لا ينهار جدار الوحدة، وتغدو أثراً من الآثار.
فقد قال الشاعر الحكيم:
في النَّاس من يحمل الأعباء محتسباً
فنفسه دائماً مخنوقة الذَّات
وفيهم المرتمي في حضن رغبتهِ
فما يجيد سوى جرِّ العباءاتِ