الحروف كالنداءات الخفية تمحو الزيف عن القلب تمنحه السكينة، ولا يستطيع قلبٌ أن يرقص تحت النار وفوق الماء إن لم يكن قلب شاعر صادق، مسكونٌ بالفكر وبهواجسه، وإن لم يكن قلب إنسان كبير، مسكونٌ بمحبة الإنسان وبالدفاع عن كرامته؟
إن الشعراء يستطيعون نظم كلّ ما يخالجهم من مشاعر بسهولة، بل وحتى لديهم القدرة على كتابة ما لا يشعرون به فهم أصحاب موهبة، إلا في بعض الحروف كحرف شاعر تلمس صدقًا حقيقيًّا ومشاعر غير مصطنعة، نشعر بنبضات الكاتب والشاعر بين نقاط الحروف، ونرى رجفة قلبه بين الكلمات، نلحظ لمعة عينيه بين السطور، ونحسّ ببلل دمعاته حقيقة على الورق.
لم تكن كلّ قصائد الشعراء مجرّد حروف مرسومة، تحمل بعض القصائد في داخلها أسرارًا دُفِنَت مع كتابها، وبعض القصائد كُتِبت غزلًا لإحداهن شخصيًّا بعد أسرها لقلبه، وبعضها كُتِب بعد بكاء طويلٍ وشعور مؤلم بالوحدة والاحتراق.
على ضفاف الحروف رحل الأدباء والشعراء بفعل الجناة القساة، رحلوا لم يخطئهم الموت إنما مشى إليهم ثابت الخطوات واثقًا بأنه سيقتل حروفهم، ولكنهم لم يعرفوا أن بعض حروفهم تهيم هنا في قلبي الصغير الحزين ولم يعرف المارقون أن صدى الحروف لا يموت فهو التاريخ والحكاية هو نحن هو كل هذا العالم.
تنشرحروفي في الورقة كعصفورة مبللة ثم تحط، كما يحط طفل في حجر أمه، لعل يدها تمسد شعره ولعله ليس هنا، هو ليس هنا الآن، ولا هناك، جسدٌ هامدٌ، جسدٌ صامدٌ، وخلاياه أقمارٌ والقلب وحده شمسٌ تدور حولها الوجوه والأسماء والكلمات.
الحروف ترقص لأنها لغة الوجدان والشعور والعواطف والأحاسيس، وليس رقص الأفراح كرقص المآتم، قد يرقص الجميع في الأفراح تقليدًا وتصنعًا، ولا يرقص عند الألم إلا المكلوم والموجوع، وها هنا أرقص في ألم ووجع. لقد تاهت مني الحروف والكلمات، وضاع قلمي بين سحر عينيك، وذهبت أفكاري في رحلة ليس لها عودة، كل ما أعرفه في هذه الحياة أنني أحبك... هنا في قلبي الحزين الحروف ترقص لك حبًّا...