الفاعلية في الحياة نعمة لا تقدر بثمن وأنت تلحظ ذلك في بريق أعين كل المتفاعلين بنشاط وإقبال على الحياة وتتساءل لماذا لا أكون مثل هؤلاء، متى ستشرق شمس الحيوية في نفسي وأتجه نحو ما أراه صواباً على الأقل بحماسة وتطلع، من خلال هذين السؤالين التاليين سنفكر سوياً ونبحث عن النافذة المطلة على كل ما تشتاق إليه الروح ويتشوف له القلب:
- ما مدى توافقك المهني؟
يعتبر ضربا من الانتحار قضاء نصف اليوم في وظيفة لا تحبها، لماذا؟
لأن معنى ذلك ضمور الفاعلية والشغف وهما وقود الطاقة والمرء بلا طاقة في هذا الزمان المُرْهِق عرضة لنوبات التوعك الصحي والنفسي، والسعادة من يستيقظ صباحاً بنفس مفتوحة وقلب يتقد حماساً لما هو بصدده من العمل والإنجاز ورؤية الأشياء المحببة إليه تنمو بين يديه يوماً بعد يوم، أوجد في بيئتك العملية ما تحب ولا تزهد في الرتوش إن كنت تعدها كذلك من اللوحات الفنية وأصص الزهور والفواحات العطرية بمكتبك الذي تقضي فيه الساعات الطوال، ولا تهمل الترتيب الآسر فترتيب الأدراج والتخلص من الفوضى والتعامل الجاد مع الأوراق أولاً بأول وتنظيف سطح المكتب من الزوائد الورقية وغيرها مما لا تحتاج إليه أمر مهم، مع الالتفات لما لا يقل أهمية عن هذا كالبحث الجاد عن أي دورة ومهمة ومجال وفرصة تتيحها هذه الوظيفة مما يحرك فيك الأمل ويحيي فيك جذوة العمل، وإلا فاعمل جاداً للبحث عن وظيفة أخرى ومكان آخر تجد فيه قلبك وما تبقى من عقلك لتحقق القدر الملائم من التوافق المهني والذي هو شرط من شروط الارتياح الوجودي والحضور المتجدد، التغيير قادم ولا شك في ذلك، فإما أن تبادره بوثبة قوية صحيحة، وإما أن يفجؤك وأنت كليل الذهن موهن البدن عليل النفس فاختر لنفسك، ولن تستعد لهذا التغيير إلا بمعرفتك لنفسك فما هو مدى توافقك الشخصي:
- ما مدى توافقك الشخصي؟
هل تعاني ازدواجاً في الشخصية؟
هل لديك طاقات ومعارف لم تستثمر بعد؟
هل تقول شيئاً وتضمر شيئا آخر؟
ثق ثقة تامة بأن الناس لا تعنيهم سيرتك المكتوبة، وإنجازاتك المفقَّطة، ولكن الذي يعنيهم على الدوام وفي الصميم هو «حضورك، شغفك، حماسك، رسالتك الناطقة على قسمات وجهك وفلتات لسانك وإيماءات يديك بعفوية» هذا أنت، هذه حقيقتك، لذلك استيقظ من غفلتك، واعلم أنك مقبوض عليك منذ زمن بعيد متلبساً بازدواج الشخصية وقول ما لا تعتقد واعتقاد ما لا تقول، هي دعوة لأن تنحاز كلية لحقيقتك وشخصيتك المميزة فمن مثلك؟
أنت بالفعل نادر الوجود والله - جل وعلا - أنعم على كل إنسان بوجود خاص وحضور خاص وشخصية خاصة، فطمر كثير من الناس هذه الحقيقة تحت ركام الظروف والعقل الجمعي والتقليد والمصانعة والإعجاب والتناسخ واختل التوازن!!
وبعدما تعرف نفسك يتبادر للذهن هذا السؤال:
- ما مدى تفعيلك لما تعلم وتعتقد؟
كثير من الناس يكدِّس القيم والمعارف بل والمهارات ولا يفعِّلها لتحسين حياته، بل هو يجمع كل ذلك وكفى، وقد يتوقف عن الجمع يوماً ما ولا يستفيد من ماضيه الذي جمع فيه الكثير والكثير، فكم من كتاب قرأت، ودورة حضرت، وصفقة عقدت، وفكرة تأملت، وعلاقة عظيمة فيها انتظمت، وبيئة معطاءة عايشت، وقيمة ملكت، وخُلق عرفت، ومهارة اكتسبت، وكم وكم من الخيرات التي ملئ بها هذا الكون فأين النتائج، وأين العطاء، وأين التفعيل، وأين الواقع، وأين تحويل الأفكار والحقائق والتصورات إلى ميدان، خصوصاً في هذا العصر الذي يحلو لي تسميته بعصر الفرص، الميادين كثيرة، الفرص وفيرة، الأسواق مفتوحة، والطلب قائم، والعروض لديك مكدسة (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)، وهذه أربع خطوات عملية لا تعدو أن تكون مثالاً ومقياساً تنسج على منواله ما شئت من الخطوات نقدم لها بالحكمة الصينية القائلة: (أفضل وقت لزرع شجرة كان منذ عشرين سنة مضت وثاني وقت هو الآن).
الخطوات الأربع:
1 - ارجع بالذاكرة للوراء وانظر ما هي الهواية المحببة إليك وأنت طفل صغير، هل هي الخط، أم الرسم، أم تفكيك الأجهزة ومعاودة تركيبها، أم رياضة معينة، أم المعادلات الرياضية؟
2 - في مراهقتك ما الذي كان يشغل بالك ووقتك؟
3 - في شبابك ما هو عامل جذبك وعنوان شغفك؟
4 - في منتصف عمرك ما قضيتك وسر تطلعك؟
هذه الخطوات والتأملات لوحدها ممارسة ممتعة، إنها بحث في أعماق نفسك وسبب وجودك، بعدها يأتي تصنيف هذه الهوايات والأفكار والأعمال والتطلعات ضمن دوائر من المهم والأهم والممكن والمستحيل والمتاح والمغلق والذي فات أوانه والذي ابتدأ لأنك لن تعرف كل هذا إلا من خلال الوقوف الجاد مع النفس والتنقيب في عوالمها التي شُغلت عنها بعالم السرعة والاتصال والمقارنات العقيمة، بعد تصنيف ما مر تنظر ما هي الأفكار والأعمال والتطلعات التي بَلورتَ وهذَّبتَ وما مدى تمثلها في واقعك، هل دخلت عالم المشاهد المحسوس؟ أم مازالت في عالم المعنى، أو في حيز العدم! بعد ذلك قم بتقييم كل الذي مر بالطريقة المناسبة لك ولمجالك فهذه التوصية صالحة للتجار والرياضيين والسياسيين والكتاب والمعلمين والمدربين وغيرهم، فمن هنا تبدأ ومن ثم تنطلق لتكف عن الكلام وتدخل ميدان الحركة والنشاط واختبار ما يجيش في نفسك من مهارة أو فكر أو مشاعر وكل ذلك باتزان، ولن تحقق القدر الملائم من الاتزان إلا بالفهم، فهم النفس وما تحسن وما قدَّمت وما أخَّرت، إنك إذا طبقت ما تعرف من معارف وقيم سينتج عنك العطاء ولابد.
** **
t.alsh3@hotmail.com