د. خالد عبدالله الخميس
عندما ابتعثت لبريطانيا عام 1988كنا نمر بانغلاق على الحضارات الأخرى ونرى أن السفر والسياحة لخارج الوطن هو أمر يتعارض مع السياحة الوطنية ويتعارض مع القيم الدينية والأخلاقية، وبحكم أن تلك السفرة كانت هي أول مرة أخرج فيها من خارج البلاد كنت مشبعاً بقناعات متصلبة من كوننا نحن الأفضل والأكمل في كل شيء من بين سائر الأمم، وبالفعل فالشهور الثلاثة شهور الأولى كانت كل نظرتي للآخر هي متصلبة ومتقوقعة على الرفض والنقد حتى مر علي 7 سنوات ولاحظت أنني خلال السبع السنوات كنت أمر بمراحل من التغيّر الفكري تجاه الآخر، إذ انتقل فكري بشكل متدرج من قمة الرفض للآخر إلى قمة الاندماج مع الآخر، وكنت حينها أفسر ما حصل لي بأنه خبرة خاصة لي، حتى وقعت على كتاب نفسي مؤصل علمياً بعنوان الحساسية الثقافية للأستاذ الدكتور دخيل بن عبدالله الدخيل الله، حيث قدم المؤلف فيه عرضاً لتدرج الطبيعة الإنسانية من مرحلة التحسس للحضارات والثقافات الأخرى إلى مرحلة الاندماج والانصهار، والكتاب هو دارسة نفسية علمية تفصيلية عن مراحل ذوبان الفرد في الحضارات والثقافات الأخرى وأسماها مستويات الحساسية الثقافية، وقد قسم الكتاب تلك المستويات إلى ستة مستويات تحكي فيها ما مررت به بالفعل خلال سنوات ابتعاثي، وهذه المراحل الست هي؛ الإنكار، الدفاع، التقليل، التقبل، التبني، الاندماج، وشرح الكتاب كل مرحلة بشكل مفصّل.
ففي بداية الأمر يكون الفرد منكراً وكارهاً لثقافة الآخر ورافضاً لها جملة وتفصيلاً ويكون متشبثاً ومتعصباً لثقافته وأخلاقياته وعاداته باعتبارها أنها هي الأفضل، بعد ذلك يمر بمرحلة انتقالية تتضمن التهوين من مستوى الخلافات البينية بين الثقافات وتقبل وجهة النظر في مسائل الخلاف ثم ما يلبث فترة إلا ويكتسب الفرد خبرة جديدة وهي إمكانية التعايش بين الثقافتين وعدم الإقصاء، ثم يتولد لديه خاصية فهم الاندماج هنا أو فهم الاندماج هنالك ومن دون أن يترتب على الاندماج شعور بأن هنالك تجاوزاً، ثم ينتقل ليرى أن اختلاف الثقافات هو من محاسن الطبيعة البشرية، وهكذا ينضج لديه قبول مختلف الثقافات وتقبل مبادئها بحس ناضج ومرن.
والكتاب مناسب لعصرنا الحاضر في مسألة المشروع الوطني القائم على حوار الحضارات، حيث المركز الوطني لحوار الحضارات وكيف أن الفكر المنغلق وكراهيته لفكر الآخر يؤدي بالفرد إلى اعتناق الفكر الضال المتشدد وكذا الفكر الإرهابي تجاه الآخر.
وهكذا يُفهم لماذا كانت الدعوة في بلادنا للابتعاث للخارج منذ زمن حين تأسيس التعليم لدينا وكان لمشروع الملك عبدالله للابتعاث وما تلته من برامج للابتعاث للخارج تأثير هادف، وكانت في واقع الحال لا تستهدف فقط الجانب العلمي، وإنما لانفكاك البعض من عقدة «نحن الأفضل والآخرون دائماً هم الأسوأ»، وهكذا فإن تعرّف الشباب السعودي على جميع الثقافات الأخرى والاندماج معها بشكل سلس ومن دون إقصاء هو جانب يؤدي بالفرد السعودي أن يكون قابلاً ومقبولاً عالمياً أينما كان.
ويُضاف لما جاء في كتاب «الحساسية الثقافية» فصل خاص يتمثَّل في كيفية قياس مستوى الحساسية الثقافية لدى الفرد، ويمكن من خلال المقياس تبيان مدى حساسية الفرد وموقفه من المختلف عنه، فعبر المقياس يمكن كشف مستوى الفرد فيما إذا كان متعصباً لثقافته رافضاً للآخر أو أنه متسامح ومتقبل للآخر. والمقياس بلا شك يكشف عن إشارات خطيرة إذا كانت نتائج معظم أفراد المجتمع تقع في مستوى عال من التحسس للآخر، ويوصي بأن على أصحاب القرار الانتباه لاتخاذ الإجراءات التي من شأنها أن تقلِّل من مستوى الحساسية الثقافية.
كل الشكر والتقدير للأستاذ القدير د. دخيل بن عبدالله الدخيل الله على هذا الإنجاز المتميز الذي يمثِّل خارطة طريق للفكر المتفتح من جهة والفكر المنغلق من جهة أخرى.