الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الرسول الأمين محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه أجمعين, وبعد.
فإنَّ العلماءَ لهم دورٌ كبيرٌ في حياة الناس قديمًا وحديثًا، فإليهم يرجعون، وعن آرائهم يصدرون، وبهم يثقون، وإليهم يتحاكمون، ولذا كان اجتماع كلمتهم، وحصول الألفة بينهم من الأمور المهمة التي حرص الإمام عبدالعزيز -رحمه الله- عليها إبان توحيد المملكة العربية السعودية فاجتمع مع العلماء والقضاة وطلاب العلم- رحمهم الله- في شهر الله المحرم سنة 1337 في بريدة بالقصيم، لإزالة الخلاف بين أهل العلم، وبيان الطريقة المثلى في العمل في الدعوة إلى الله وتعامل العلماء بعضهم مع بعض.
ويتبين من الوثيقة ثقة الإمام عبد العزيز رحمه الله بأهل العلم، وجعل الأمور الكبيرة من الفتوى والهجر والتكفير والتضليل والتحريم والتحليل إلى كبار العلماء منهم، وأنهم هم المسؤولون عن إصلاح ما يحدث بين طلبة العلم، وقد فوّض ذلك إليهم وأنه من ذمته لذمتهم؛ وأمر العلماء بالإنصاف وإصلاح ذات البين ونصح المعتدي، وأمر أمراءه بتنفيذ ما يأمر به المشايخ. وقد حضر هذا الاجتماع جماعة من العلماء والمشايخ وطلاب العلم من الموالين للدعوة، فتكلم معهم الإمام عبدالعزيز وطلب منهم إبداء ما عندهم كما أخبرني بذلك الوالد عن الجد الشيخ عبدالمحسن الفريح- رحمهما الله- الذي كان حاضرًا الاجتماع، وفي ختام الاجتماع حررت هذه الوثيقة التاريخية، وهذا نصها:
الوثيقة رقم (1/ أ)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فقد حضروا كافة الإخوان من أهل القصيم بمجلس الإمام(1) عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل أيده الله وحماه بحضرة الشيخ عبد الله ابن سليم(2) والشيخ عبد الله ابن بليهد(3) والشيخ محمد بن عبد اللطيف(4) وفيصل الدويش(5) وفيصل ابن حشر(6) وتكلم معهم الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل وتفاوضوا في جميع الذي بينهم على أنهم كل منهم يبدي ما في خاطره على صاحبه، وأيضاً كلمة ألقيت إلينا عن بعض من الإخوان أنهم يقولون: إنا ما نقدر نقول الحق محاذرة من بعض طلبة العلم أو من الولاة.
فأجابهم الإمام وأعطاهم الأمان التام والعهد على أن من كان عنده منكم كلمة حق يراها وقصده بعدم تبيينها المحاذرة على نفسه أو ماله، فيتكلم بذلك، وعليه عهد الله وميثاقه، فلم يجيبوا لذلك، وأنكروا؛ بلى إنه صار جملة كلامهم في أن هالتنافس والتفاحش؛ إنه أمر ليس له حقيقة؛ إلا أن يكون هوى، فبذلك المحضر استغفروا وتابوا وطلبوا الإباحة بعضهم من بعض، واشترط عليهم الإمام عبد العزيز أنه من ذلك المجلس وبعده أن يزيلوا ما بخواطرهم بعضهم من بعض، وأن لا يتخالفوا ولا يتشاحنوا ولا يتكلم بعضهم ببعض لا بالمشايخ الكبار ولا بطلبة العلم بعضهم على بعض، وأن لا يتداخلوا في جميع الفتيا ولا الرخص، ولا في جميع الأمور المغايرة بين الإخوان مثل الهجر والتكفير والتضليل والتحريم والتحليل لا بحديث يتكلم به في المجالس والمساجد، ولا بفتيا يفتيها لسائل لا من البادية ولا من الحاضرة، فإذا سئل عن شيء أو أشكل عليه شيء فيُرجع أمره إلى الله ثم إلى الأئمة المنصوبين الذي راضيهم المشايخ وناصبتهم الولاية؛ فأما في القصيم فالشيخ عبد الله ابن سليم والشيخ عمر ابن سليم(7).
الوثيقة رقم (1/ ب)
والشيخ عبد الله ابن بليهد والشيخ عبد الله بن مانع(8)، فأما بالوشم: فالشيخ محمد بن عبد اللطيف، فأما بسدير وأطرافه: فالشيخ العنقري(9) والشيخ عبد الرحمن ابن سالم(10) وعبد الله ابن زاحم(11). فأما بالمحمل: فالشيخ عبد الله بن فيصل(12). فأما بالعارض: فالشيخ عبد الله بن عبد اللطيف(13) والشيخ سعد بن عتيق(14). فهؤلاء المذكورون هم أئمة المسلمين، وهم الذين من أجازوه، أجزناه لا من إمام مسجد ولا آمر بمعروف ناه عن المنكر، ولا معلم للناس. فالذي ما يجيزونه ولا يأمرونه فلا نجيزه ولا يتعرض شيئاً إلا أن يكون بخاصة نفسه، ومن أشكل عليه شيء من طلبة العلم في معنى آية أو حديث أو قول من أقوال العلماء فليسألهم عن ذلك، ويراجعهم فيه، ويستدل بقولهم لا في الكلام به ولا الأمر والنهي. ومن عدا ذلك فلا يلوم إلا نفسه، فقد نقض العهد، وتجرء على الولاية، ولا يلوم إلا نفسه.
فبموجب القرار بحضورهم أنذرهم الإمام عبد العزيز عن التعدي عن سوى ذلك، ومن تجاوز شيئاً من ذلك فقد أخطأ على نفسه وحط نفسه بالخطأ. كذلك اشترط على المشايخ وعلى كبار الإخوان لا المشايخ أهل القصيم ولا العلماء الباقين من أهل نجد أن هذا أمر من ذمته في ذمتهم، يقومون فيه بالإنصاف، ويجتهدون بإصلاح ذات البين في إخوانهم وينصحون المعتدي أو المتجاوز ما ذكرناه حتى يعذرون من جهة الله ثم من جهة الولاية.
وقد أمر الإمام عبد العزيز جميع أمرائه أن ينفذون جميع ما يأمروا به المشايخ وأعطوا عبد العزيز على ذلك العهد والميثاق أن لا يتجاوزون ما صدر في ذلك المجلس، ومن تجاوز ذلك فلا يلوم إلا نفسه. وحضر على ذلك من جملة الحاضرين بهذا المجلس من الإخوان الشيخ عبد الله ابن سليم والشيخ عبد الله ابن بليهد والشيخ محمد بن عبد اللطيف وفيصل الدويش وفيصل ابن حشر وصالح بن كريدس(15) وعبد الرحمن الغيث(16) وسليمان ابن حميد(17) ويعيش، وعبدالرحمن ابن عويد(18) وعبد الرحمن بن عبد الله بن فدا(19) ومحمد بن مضيان، وعيسى الملاحي(20) وعبد الرحمن ابن بطي، والرسي(21) وعبد العزيز ابن عراجه(22) وسليمان الوهيبي(23) ومحمد السعدون، وأخوه، ومحمد بن عبد العزيز بن غنيم(24)، وعبد الله الرشيد(25) وعبد العزيز العلي المقبل(26) ومحمد الصالح المطوع(27).
الوثيقة رقم (1/ ج)
وسليمان المشعلي(28)، وعبد العزيز ابن مضيان، وعبد الرحمن ابن عقلا(29)، وعبد العزيز العلي البكري(30)، ويوسف الوابلي(31)، ومحمد الدهامي، وحمد ابن بليهد(32) وعبد المحسن ابن فريح(33)، وصالح ابن عمرو(34) وعلي الراشد، وعلي المحمد الوقيصي(35) وعبد الله السليمان بن راشد، ومحمد ابن خزيم(36) ومحمد الشاوي(37)،(38).
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
ليكن معلومًا عند من نظر فيه من المسلمين -سلك الله بنا وبهم الصراط المستقيم، وجنبنا وإياهم طرق الجحيم-: أن المذكور في هذه الورقة على ما رسم من غير زيادة ولا نقص بحضرة المشايخ والإخوان المذكورين، وحضرتنا نسأل الله لنا ولإمامنا ولمشايخنا وجميع إخواننا المسلمين الهدى والسداد.
قال ذلك كاتبه: عبد الله بن محمد ابن سليم. ويسلم على من يراه، وصلى الله على محمد وصحبه وسلم.
حرر في 5 محرم مبتدأ 1337.
بسم الله الرحمن الرحيم
نعم حضرنا كما ذكر في هذه الورقة وما صدر بحضور جميع المذكورين، وحرره الإمام حفظه الله تعالى ورضيه وألزم به، رأيناه عين الرشد والصواب، ورضيناه كذلك.
نسأل الله تعالى لنا ولإخواننا المسلمين التوفيق والهداية.
قال ذلك وأملاه محرر الأحرف الفقير إلى الله عبد الله بن سليمان آل بليهد.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
5/ م/ سنة 1337هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
نعم ما ذكر حضرنا عليه وقرره الإمام حفظه الله ورضينا ما حرره ورأيناه عين الصواب، وما ذكر من الإخوان المذكورين التزموا بما ذكر ورضوا به وبما قرر؛ لأن ما ذكر هو الحق.
نسأل الله لنا ولإخواننا التوفيق والهداية ومجانبة طريق الشك والغواية.
وصلى الله على محمد وصحبه وسلم.
حرره فقير ربه محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن.
حرر 6 المحرم سنة 1337.
الوثيقة رقم (1/ د)
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد العزيز ابن عبد الرحمن آل فيصل إلى من يراه من كافة المسلمين سلمهم الله.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعد ذلك؛ لما رأينا ما وقع بين الإخوان من التنافس الذي لا حقيقة له أحببنا الكشف عن ذلك، جمعناهم فلم نر حقيقة ولا حجة إلا مجرد الهوى والخلاف السفيه على رأيه، فبموجب الذي نرى فيه صلاح وكف شر، اشترطنا عليهم كما ذكر أعلاه، وقرروا عليه المشايخ.
نرجو من الله التوفيق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
7/ م/ 1337.
الهوامش:
(1) استقر لقب الملك عبدالعزيز رحمه الله على ملك المملكة العربية السعودية بعد توحيد المملكة.
(2) الشيخ عبدالله بن محمد ابن سليم توفي سنة 1351هـ ( علماء آل سليم 1/64).
(3) الشيخ عبدالله بن سليمان البليهد توفي سنة 1359هـ ( علماء البكيرية ص 39).
(4) الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ توفي سنة 1367هـ (مشاهير علماء نجد ص117).
(5) الشيخ فيصل بن سلطان الدويش توفي سنة 1351هـ.
(6) الشيخ فيصل بن حزام بن حشر العاصمي.
(7) الشيخ عمر بن محمد بن سليم توفي سنة 1362هـ (علماء آل سليم 1114).
(8) الشيخ عبدالله بن محمد ابن مانع قاضي عنيزة، توفي سنة 1360هـ ( علماء نجد 4/483).
(9) الشيخ عبد الله بن عبد العزيز التميمي العنقري توفي سنة 1373هـ (مشاهير علماء نجد ص 246).
(10) الشيخ عبد الرحمن بن عبدالله ابن سالم توفي سنة 1350هـ. ( ذيل علماء نجد).
(11) الشيخ عبدالله بن عبد الوهاب الزاحم توفي سنة 1374هـ (علماء نجد 4/298).
(12) الشيخ عبدالله بن فيصل الودعاني توفي سنة 1349هـ (علماء نجد 4/378).
(13) الشيخ المفتي عبدالله بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ توفي سنة 1339هـ (مشاهير علماء نجد ص101).
(14) الشيخ سعد بن حمد ابن عتيق توفي سنة 1339هـ ( مشاهير علماء نجد ص 213).
(15) الشيخ صالح بن إبراهيم الكريديس توفي سنة 1359هـ في بريدة (علماء البكيرية ص65).
(16) الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله الغيث، توفي سنة 1349هـ تقريبًا.
(17) الشيخ سليمان بن عبدالله بن حميد والد الشيخ عبد الله، توفي سنة 1362هـ (علماء آل سليم 2/249).
(18) الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز بن عويد توفي في 1350هـ تقريبًا (علماء آل سليم 2/281).
(19) الشيخ عبد الله بن محمد بن مفدا (الفدا) توفي سنة 1337هـ (علماء آل سليم 2/376).
(20) الشيخ عيسى بن محمد الملاحي توفي سنة 1353هـ في الشبيكية (علماء نجد 5/348).
(21) الشيخ عبد الله الحماد الرسي توفي سنة 1382هـ ( علماء آل سليم 2/ 330).
(22) ذكره العمري في طلاب محمد العبدالله ابن سليم.
(23) مؤذن مسجد عودة ببريدة.
(24) من طلاب السليم.
(25) الشيخ عبد الله بن رشيد الفرج توفي سنة 1379هـ ( علماء آل سليم 2/330).
(26) الشيخ عبد العزيز بن علي المقبل رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ببريدة ذكر ضمن طلاب الشيخ عبد الله بن محمد ابن سليم (علماء آل سليم 1/85).
(27) الشيخ محمد بن صالح بن سليمان المطوع توفي سنة 1399هـ (علماء آل سليم 2/415).
(28) الشيخ سليمان بن عبدالله المشعلي توفي سنة 1376هـ ( علماء البكيرية خلال ثلاثة قرون ص107).
(29) الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله العقلا توفي سنة 1352هـ في البكيرية ( علماء البكيرية ص184).
(30) عبد العزيز بن علي بن سليمان البكري توفي سنة 1373هـ إمام جامع القوارة.
(31) يوسف بن الوابل توفي سنة 1365هـ، وهو والد الشيخ عبدالله.
(32) الشيخ حمد بن سليمان البليهد توفي سنة 1360هـ ( علماء البكيرية ص79).
(33) الشيخ عبد المحسن بن محمد بن فريح آل فُرَيح توفي سنة 1379هـ ( علماء البكيرية ص88).
(34) الشيخ صالح بن محمد العمرو توفي سنة 1356هـ ( علماء البكيرية ص202).
(35) الشيخ علي بن محمد الوقيصي توفي سنة 1347هـ( علماء آل سليم 2/415).
(36) الشيخ محمد بن صالح بن سليمان الخزيم توفي سنة 1394هـ( علماء البكيرية ص101).
(37) الشيخ محمد بن عثمان الشاوي توفي سنة 1354هـ ( علماء البكيرية ص189).
(38) قال أبو عبد الرحمن: أخبرني الوالد عن ذهاب أهل البكيرية لبريدة والاجتماع بالملك عبد العزيز وما دار بينهم من حوار في الطريق ومع الملك عبد العزيز.
** **
- أ.د. عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن الفريح