د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
ارتفاع درجات الحرارة القياسية في العالم عامة وفي أوروبا خاصة، أدى تراجع منسوب الأنهار الكبرى وتحويل المساحات الخضراء إلى أراضٍ جرداء قاحلة، وهي الحالة الأسوأ منذ خمسة قرون، أدى إلى انخفاض منسوب مياه الأنهار وخاصة الراين في ألمانيا أدى إلى تباطؤ حركة السفن التجارية، وَضْعٌ أجبر الدول الأوروبية على اتخاذ إجراءات صارمة، وفرض قيود على استخدام المياه لمواجهة هذه الظروف الاستثنائية التي قد تتفاقم مع تراجع أوروبي عن هدف تقليص انبعاثات الغاز، مع عودة الحكومات الأوروبية للأساليب القديمة للحصول على الطاقة وخاصة الاعتماد على الفحم، وسيصبح هناك عدم اكتراث من الدول لصناعية الكبرى خفض الانبعاث الحراري في العالم.
لكن السعودية عكس الدول الصناعية الكبرى أعلنت عن مبادرة السعودية الخضراء التي أعلن عنها ولي العهد محمد بن سلمان في 27 مارس 2021 وتهدف لرفع الغطاء النباتي وتقليل انبعاثات الكربون، ومكافحة التلوث، وتدهور الأراضي، والحفاظ على الحياة البرية والبحرية، من أبرزها زراعة 10 مليارات شجرة داخل السعودية خلال العقود القادمة، ما يعادل إعادة تأهيل حوالي 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة أي زيادة المساحة المغطاة بالأشجار 12 ضعف الحالية، وزراعة شجر المانجروف في ميناء جدة، وزراعة 45 مليون شجرة في المدرجات الجبلية، وزراعة 4 ملايين شجرة ليمون وريها بمياه الصرف الصحي المعالجة.
لقد أصبحت صناعة التحلية في السعودية لمواجهة ندرة المياه نتيجة لطبيعة السعودية الصحراوية, أصبحت من أهم الصناعات الحيوية عالمياً، بل أضحت تحلية المياه المالحة الخيار الاستراتيجي، كون المياه أهم مصادر التطور الاقتصادي والاجتماعي، ما جعلها تتجه نحو بناء منظومة إنتاج مياه محلاة بأقل استهلاك للكهرباء على مستوى العالم، وكذلك حصولها على براءة اختراع في تقنية صفر رجيع ملحي، والبدء في تطبيق هذه التقنية فعلياً في منظومات إنتاجها فحققت وفورات مالية، ومعروف أن تقنيات الطاقة النظيفة أعلى تكلفة من الطاقة الأحفورية، لكن توطين المعرفة والصناعات المتعلقة بالطاقة النظيفة، هو ما سيخفض التكاليف على المديين المتوسط والطويل، وهناك مشروع البحر الأحمر لاستخراج المياه من الهواء وأشعة الشمس الذي يصل إلى أكثر من مليوني عبوة عند اكتمال المشروع، وكذلك اقتصاره على السياح في الجزر التي تطورها شركة البحر الأحمر وتهدف إلى مواصلة البحث لخفض التكاليف.
ارتفع إنتاج المياه المحلاة تماشياً مع النمو السكاني والتنمية الاقتصادية، فارتفع إنتاج المياه المحلاة من 3 ملايين متر مكعب يومياً عام 2008 إلى 6 ملايين متر مكعب يومياً وحالياً نحو 9 ملايين متر مكعب يومياً سيرتفع إلى الضعف إلى 14 مليون متر مكعب يومياً عام 2025.
لذلك ضخت الدولة 200 مليار ريال في 2016 واليوم خصصت 105 مليارات ريال لمشروعات مائية ضمن المحفظة الخمسية الرأسمالية لمنظومة البيئة والمياه والزراعة، يتم نقل المياه عبر شبكة تقدر بنحو 7.175 كيلو متراً من نحو 32 محطة تحلية على الساحلين الشرقي والغربي تغذي أكثر من 40 مدينة وقرية، أصبحت تمثل 22 في المائة من إنتاج التحلية في العالم.
يشكل استهلاك المياه للاستهلاك الحضري نحو 23 في المائة، فيما تمثل الأغراض الصناعية نحو 9 في المائة، أما الأغراض الزراعية فإنها تمثل حصة الأسد، ولا تغطي التحلية سوى 13.9 في المائة من مجمل استهلاك المياه في السعودية وفق إحصاء 2019، أي أن الاعتماد على المصادر الطبيعية لا يزال هو الأساس على عكس الاعتقاد السائد أن السعودية من دول العالم المعتمدة كلياً على تحلية مياه البحر.
يقدر احتياطي المياه الأحفورية بين 259 - 761 مليار متر مكعب مع إعادة تغذية سنوية فعالة تبلغ 886 مليون متر مكعب، ومن بين أهم الخزانات الجوفية الساق، والوجيد، تبوك، المنجور، ضرماء، الوسيع، البياض، وأم ضرمة، الدمام والتي تمتد على مساحة آلاف الكيلومترات المربعة بإعادة تغذية يعتبرها البعض ضعيفة وهي محصورة في تكوينات رميلية وجيرية بسماكة 300 متر على عمق 150 - 1500 متر.
استنفدت احتياطيات على مدى العقود الماضية يبلغ متوسط السحب السنوي نحو 20 مليار متر مكعب، بينما تبلغ التغذية السنوية نحو 2.8 مليار متر مكعب وخلال العقدين انخفض منسوب المياه بمقدار 60 متراً بسبب الاستهلاك المكثف، ما جعل الدولة تتجه نحو استراتيجية زراعية رشيدة، وهناك نحو 522 سداً بسعة 2.3 مليار متر مكعب لتسهيل تخزين وإعادة تغذية الجريان السطحي، ويبلغ إجمالي كمية المياه المستهلكة من السدود حوالي 1.6 مليار متر مكعب في السنة.