هيئة التحرير بالثقافية:
كانت جدة على موعد مع الإبداع الثقافي الذي يرعاه الأديب عبدالمقصود خوجه، فكان يوم الاثنين مميزًا وفريدًا من نوعه، الاثنينية التي يقصدها المثقفون من كل مكان، ويسعى إليها أصحاب الاهتمام الأدبي، فكانت راعية للمثقفين، وظلالاً ورافًا للثقافة، أسهمت في تكريم أكثر من 450 مثقفًا من شتى أنحاء العالم، وكان مجهودها الذي يرعاه خوجه يوازي مجهود مؤسسات فكرية كبيرة، وصاحبها لمن لا يعرفه هو أديب ورجل أعمال سعودي، قاد العديد من الأنشطة الثقافيّة والاجتماعيّة في السعوديّة أبرزها تأسيسه منتدى الاثنينيّة الثقافي الأدبي، ورئيس مجلس إدارة مجموعة خوجه، وله نشاطات تجاريّة وصناعيّة وعقاريّة متعدّدة في المملكة وخارجها. هو مؤسّس وعضو شرف في كلّ من بيت التشكيليّين وبيت الفوتوغرافيّين، وعضو شرف في النادي الثقافي الأدبي في جدّة، ونادي مكّة الثقافي الأدبي، وعضو مجلس إدارة النادي العلمي السعودي. هو أيضاً عضو رابطة الأدب الحديث في القاهرة، ومجلس شرف مركز جدّة للعلوم والتكنولوجيا، مجلس الآثار الأعلى، وعضو مؤسّس في مركز خالد الفيصل لإعداد القيادات، والبنك السعودي الأميركي، ومركز تاريخ مكّة المكرّمة، عُيّن مندوباً من الديوان الملكي إلى المفوضيّة السعوديّة في بيروت، كما عمل في المكتب الصحفي في السفارة هناك. شغل منصب مدير المكتب الخاصّ للمديريّة العامّة للإذاعة والصحافة والنشر في جدة. قدّم عدداً من الدراسات المختصّة في المجال الثقافي والإعلامي. كما كُرّم من قبل مجموعة من المجالس والمنتديات في المملكة وخارجها.
بدأ منتدى الاثنينية في العام 1403هـ - 1982م، وذلك للاحتفاء برموز الأدب والفكر والثقافة، وكان امتداداً لحفلات التكريم التي كان يقيمها والد الشيخ عبد المقصود - رحمه الله- في مواسم الحج احتفاء بكبار الأدباء والشعراء والعلماء الذين يأتون ضمن وفود بلادهم لأداء مناسك الحج.. واستمرت الاثنينية لأكثر من ثلاثة عقود حتى شكلت واحدًا من أبرز الصوالين الأدبية ليس في المملكة فحسب بل والعالمين العربي والإسلامي، وكرَّمت رجال الفكر والأدبي والعلم بشتى فنونه من مختلف أنحاء العالم العربي.
ومن أبرز إنجازات الأديب والمثقف عبدالمقصود خوجة هي «الاثنينية»، التي كرّمت العديد من رموز الثقافة والأدب، وكانت منارة مضيئة في عروس البحر الأحمر جدة، فعلى مدار عقود طويلة تربعت الاثنينيّة على عرش المنتديات الأدبية والثقافية والفكرية، ويبرز ذلك في الكلمة التي تصدرت موقع الاثنينية للتعريف بها بقلم مؤسسها رحمه الله: «كان التواصل بين البشر ولا يزال يمثل المحرض الأساسي للتطور والنمو .. وعبر تاريخه الطويل لم يترك الإنسان في سعيه الدؤوب للتواصل وسيلة إلا اتخذها جسراً نحو الآخر، فظل يصرخ، ويرسم، ويعطي إشارات بيديه، ويرقص بجسده، إلى أن هداه الله سبحانه وتعالى إلى الكلمة، فوجد فيها ضالته المنشودة، كيف لا وقد جعلها الحق سبحانه وتعالى مفتاحاً للتعارف بين الناس (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) وهكذا تفنن البشر في صياغة الكلمة شعراً ونثراً بكل لغات الدنيا.
وتشكلت العديد من الروافد لإثراء الثقافة والحوار بين مختلف الأمم والشعوب والحضارات، وجاءت المنتديات الأدبية كواحد من هذه الروافد، تظهر تارة وتختفي أخرى حسب توفر المناخ الملائم لنموها وازدهارها، وكثيراً ما تتضافر جهود بعض المثقفين الذين شغلت الكلمة حيزاً كبيراً من فكرهم ووقتهم فتُنبت تلك المنتديات أجمل الأشجار المثقلة بثمار العلم والأدب والشعر والفكر.
وفي هذا الإطار قدمت «الاثنينية» ترجمةً لما يعتمل في نفسي تجاه الحركة الأدبية والثقافية عامة وبصفة خاصة في المملكة العربية السعودية، وبدأت كمنتدى أدبي للاحتفاء ببعض رموز الشعر والأدب والفكر منذ عام 1403هـ - 1982م، كما استمدت جذورها من حفلات التكريم التي كان يقيمها والدي - رحمه الله- على ضفاف مواسم الحج لكبار الأدباء والشعراء والعلماء الذين يأتون ضمن وفود بلادهم لأداء مناسك الحج.. واستمر خط «الاثنينية» البياني في التصاعد لتكريم أصحاب الفضل الذين أثروا الساحة الأدبية بعطائهم، باعتبار أن الكلمة ليس لها وطن، والإبداع ملك للجميع.. وبالتالي توسعت دائرة اهتماماتها لتشمل رجالات الأدب والثقافة والعلم والفكر وغيرهم من المبدعين من مختلف أنحاء العالم العربي.
وللاستفادة القصوى من هذه اللقاءات، تم تفريغها ومراجعتها ثم طباعتها في سلسلة أصبحت بمرور الوقت موسوعة - من نوع ما - تسهم بجهد المقل في الحركة الثقافية والأدبية، وتحفظ للأجيال القادمة نماذج من أدبنا المعاصر،.. ولعل أجمل ما في هذه الإصدارات أنها وثقت مسيرة أصحابها مباشرة من أفواههم، مما يعطيها ميزة رفيعة بين رصيفاتها من الكتب التي تُعنى بالتراجم.. والحمد لله صدر منها حتى الآن تسعة عشر جزءاً (يقع الجزء السابع عشر في مجلدين).
إن تجاوب المتلقي مع هذا العمل شد عزمي للمضي في توسيع دائرة الاستفادة منه ليطل عليكم من خلال شبكة الإنترنت .. وهو كما ترون موقع متجدد، وسوف يستمر في النمو بإذن الله، مضيفاً فعاليات كل موسم «اثنينية» إلى جانب ما يصدر من كتب تحت مظلة «كتاب الاثنينية».
آملاً أن يحوز هذا العمل على رضاكم، وأن تجدوا فيه المزيد من الفائدة والمتعة، والله من وراء القصد».
وقد تغنى بإنجازات الثقافية العديد من الأدباء والمثقفين، الذين كانت الاثنينية هي الراعي لهم سيق أن احتفت به الثقافية عبر ملف يعكس شيئًا من جهوده الفكرية، شارك فيه نخبة من المثقفين وسننقل لكم شيئًا من فيض كلماتهم:
يقول يوسف عارف: «وعبدالمقصود خوجة، اسم لا تخطئه البصيرة، ولا يحل عليه النسيان. رمز ثقافي خالد في نفوس محبيه، وعارفي فضله وعطائه الإنساني والثقافي.
نَمَت الثقافة بين يديه، منذ أن أعد للمثقفين نزلاً سماه (الإثنينية) فعرفت به وعرف بها. حتى توارت منذ سبع سنوات، أقول (توارت) ولا أقول (أفلت)!
نعم (توارت) عنا كمثقفين فلم نعد نراها تشرع أبوابها كل إثنين، ولم نعد نستلم مطبوعاتها كل شهر وعام. وما ذلك (أفول) لا سمح الله، فما زال عبقها يجوب فضاءات الثقافة - محلياً وعالمياً ولكنها استراحة محارب لعلها تعود جذعة، متجددة على يد المخلصين المثقفين من أبنائها ومريديها.
عبدالمقصود خوجة، رمز الأدب والثقافة - ليس في جدة وحسب -، بل في بلادنا السعودية ومحيطنا الخليجي والعربي، بل والعالمين الإسلامي والعالمي، وصفه أحد العارفين لدوره الثقافي قائلاً:
«مضياف المعرفة، وقبلة التقدير، وجيه المثقفين وحبيب المبدعين، موئل حفاوة طالما فاضت بتراث معرفي ونقاشات عميقة، عرفه المثقفون فاعلاً في الشأن الثقافي وأديباً حصيفاً يتجذر وفاؤه في نفوس الكثير من الأدباء والمبدعين». (خالد الجار الله، عكاظ 19 يونيو 2020م)
وها نحن نستذكر الجهود الثقافية للرمز / الرائد الشيخ عبدالمقصود خوجة، فتبرز لنا قمة وقيمة ثقافية، بل هي أعلى قمة ثقافية في فضاء إبداعاتنا المعرفية، هذا الصالون الذي عرف واشتهر بـ(الإثنينية)».
ومما قالته د. عزيزة المانع: «الشيخ عبدالمقصود خوجة علم من أعلام الوسط الثقافي في بلادنا، ورث حب الثقافة والأدب عن والده محمد سعيد عبدالمقصود خوجة، فقد كان والده مثقفاً محباً للأدب، رأس تحرير جريدة أم القرى، وكتب مقالات اجتماعية نقدية اشتهرت باسمه المستعار (الغربال)، كما صدرت له بعض المؤلفات الأدبية، فعاش ابنه عبدالمقصود وسط هذه البيئة المشبعة بالثقافة والمثقفين، وتسرّب إلى قلبه حبها. فعاش حياته حريصاً على السير على منوال والده، واقتفاء أثره في دعم الوسط الثقافي في بلاده.
من أشهر ما قدمه عبدالمقصود خوجة للثقافة والمثقفين، منتداه الاثنيني الثقافي، الذي أسسه عام 1982م، وظل يعقده في منزله في جدة. إثنينية عبدالمقصود خوجة تعد من أوائل المنتديات الثقافية في بلادنا، وظلت لسنين طويلة تدار بطريقة محترفة، وكانت من حين لآخر، تدخل على نشاطها إضافات تبث في محتواها جاذبية وروحاً جديدة. ولوجه الحق، يمكنا القول إن الإثنينية استطاعت أن تبز معظم المنتديات الثقافية المحلية، فهي تعد رائدة في أمور ثلاثة سبقت بها غيرها من المنتديات:
الأمر الأول: أنها تبنت جمع النتاج الأدبي والفكري لأدباء ومفكرين معروفين في بلادنا، وتولت طبعه وإصداره ضمن سلسلة ثقافية عرفت باسم (كتاب الإثنينية)، فأضافت إلى المكتبة العربية ثروة معرفية، يعرف الباحثون والدارسون قدرها تمام المعرفة.
والأمر الثاني: أنها سنت سنة الاحتفاء بالرموز المحلية ممن تركت إنجازاتهم أثراً بارزاً في المجتمع، سواء من أبناء الوطن أو من أبناء الأمة العربية، ممن أثروا بفكرهم وجميل عطائهم عالمنا العربي».
رحم الله العلم وراعي الثقافة الأديب عبدالمقصود خوجه وأسكنه فسيح جناته، وجعل ما بذله من جهود في ميدان الثقافة في ميزان حسناته.