حسن اليمني
كان الذهاب من الفندق إلى (دزني لاند باريس) متاحاً لنزلاء الفندق من الصباح وحتى منتصف الليل بشكل مجاني، وفي الغالب تحمل رحلة الذهاب إلفة وتوافقاً بين النزلاء على مختلف جنسياتهم متحفزين ومترقبين المتعة بملامح السرور والبهجة، أما رحلة الإياب إلى الفندق وخاصة الرحلة الأخيرة فهي تختلف في الأغلب من حيث التعب والإرهاق والرغبة في الوصول للفندق بأسرع وقت، هذا يدفع الانفعال الطبيعي للإنسان للظهور وقت استحضاره إما بموقف مفاجيء أو حتى بظهور ملامح التعب وملل الطريق.
الحافلة الأخيرة لذاك المساء والتي كان مقرراً لها الساعة الثانية عشرة تأخرت قرابة العشرين دقيقة فأعطى هذا التأخر للنزلاء المنتظرين وصولها شحنة خفيفة من الملل والانزعاج الطبيعي، وحين ولج الجميع داخل الحافلة واستعد السائق للمضي نحو وجهة الوصول ظهر أحدهم وكان من الجنسية الهندية يتبادل مع السائق بصوت خافت حديثاً قصيراً أعلن بعدها السائق أن هذا الرجل لا زال ينتظر زوجته وابنته ويتساءل إن كان الآخرون يأذنون له بالانتظار قليلاً، نزلاء الفندق الموجودون في الحافلة الآن هم من جنسيات مختلفة، هناك عائلة من السعودية وأخرى من الكويت والثالثة من الإمارات في حين كان الآخرون من الجنسية الأوروبية فيما عدا رب الأسرة الهندي طالب الإذن بالانتظار، صاح الأوروبيون بأن لا للانتظار وقد تأخر الوقت دون أن يصدر صوت من الآخرين إلا حين بدأ سائق الحافلة بالمسير فعلاً حتى علت أصوات نساء الأسر العربية الخليجية بصورة احتجاجية معترضين على عدم الانتظار، كان صوت الاعتراض والرفض ملفتاً لدرجة أن سائق الحافلة عاد للوقوف والانتظار في حين لم يبدِ الآخرون من الجنسية الأوروبية اعتراضاً بل اكتفوا بالهمس فيما بينهم وملامح تذمر تبدو على بعضهم، استمر الانتظار عشر دقائق كان صاحبنا من الجنسية الهندية قد نزل سريعاً للبحث عن أسرته إلا أنه عاد وهو يلهث ويعتذر بأن زوجته وابنته غادرتا فعلاً على حافلة أخرى بطريق الخطأ.
رفض النزلاء الأوروبيين في مسألة الانتظار واعتراض النزلاء من العرب على عدم الانتظار يمكن أن أتصوره كمترجم لطبيعة وثقافة وقل عادات وأعراف أمتين من بني الإنسان ظهرتا متناقضتين بشكل متضاد في حالة إنسانية كُلْفتها التضحية ببعض الوقت في الانتظار، كلا الموقفين صحيح وسليم، أولئك الذين رفضوا الانتظار كان رفضهم ربما عن رؤية واقعية ومنطقية إذ يفترض برب الأسرة الهندي أن لا يصعد الحافلة دون أسرته إن كان يريد انتظارهم، أما أولئك الذين احتجوا وطلبوا الانتظار كان دافعهم ربما عاطفياً سطحياً، حتى إن الذي كان يريد انتظار أسرته كان يبدي اعتذاره وأسفه من دواعي الخجل للرافضين دون أن يعطي ولو ملح رضا أو امتنان لوقوف المساندين لطلبه في الانتظار، تركيبة من التفاعل الثلاثي الإنساني المتعارض مع بعضه في موقف واحد كان كافياً عن ألف كتاب لشرح المنطقي والطبيعي في السلوك البشري.
أثناء دقائق الانتظار تحدثت إحداهن من الجانب العربي الخليجي عن كيف أنها حسبت أنها تأخرت عن موعد الحافلة فرغبت في طلب (أوبر) والذي كان يدور حولها إلا أنها لم تجد موافقة عبر التطبيق في حين كانوا محيطين بها ويتحدثون اللغة العربية رغبة في إيصالها بعيداً عن تسجيل الرحلة إما لغرض الحصول على تكلفة الأجرة للسائق دون شراكة الشركة المنتمي لها أو لغرض آخر، لكن هذا بطبيعة الحال أدخل الخوف والقلق لديها وحين يئست بعد وقت ليس بالقصير لجأت للأمل والرجاء أن تجد حافلة الفندق لا زالت باقية وهو ما حدث بالفعل.
المغزى الذي أريد أن أصل إليه هو في حالة التناقض في رد الفعل التي أجلاها موقف الشهامة العاطفية ضد المنطقية العقلانية أمام فعل واحد من جهة ورد فعل صانع الحدث أمام كلتا الحالتين وكيف شعر بالحرج إزاء المنطقية العقلانية وعد الشهامة العاطفية جزءاً من المبدئية الطبيعية، كل هذا في لحظة انفعالية وقتية سريعة، الأمر فقط يحتاج تأملاً في العمق بعيداً عن التصويب والتخطئة.
أخيراً وفي الوجه الآخر من القصة وحين كنت أسرد تلك التفاصيل و(الغمز واللمز) لبعض الإشارات إلى عزيز كان بجواري أرهقني برغبته المستمرة أثناء حديثي معه بمد يده بين فينة وأخرى إلى هاتفه المحمول وأنا في كل مرة أبدل من نبرة صوتي لشدّ انتباهه، لكنه في الأخير التفت نحوي وللحظة نظر في وجهي كأنه يتفرس ملامحي لأول مرة ثم وبطريقة وصوت يمزج نفاد الصبر والشفقة قال لي: يالله وكل هذا كاتمه في قلبك؟ نام حبيبي ونكمل الصباح.