د. معراج أحمد معراج الندوي
الأنثروبولوجيا الثقافية تهتمّ بدراسة الثقافة الإنسانية، وتعنى بدراسة أساليب حياة الإنسان وسلوكياته النابعة من ثقافته، هو العلم الذي يدرس الإنسان من حيث هو عضو في مجتمع له ثقافة معيّنة، لأن الإنسان يمارس سلوكاً يتوافق مع سلوك الأفراد في المجتمع، يتحلّى بقيمه وعاداته ويدين بنظامه ويتحدّث بلغة قومه.
تهتمّ الأنثروبولوجيا الثقافية بالتراث والحياة داخل نطاق المجتمع، ويمكن بوساطتها الخوض في جوهر الثقافات المختلفة، ومعرفة كيف تحيا الأمم، وتهدف إلى فهم الظاهرة الثقافية وتحديد عناصرها، كما تهدف إلى دراسة عمليات التغيير الثقافي والتمازج الثقافي، وتحديد الخصائص المتشابهة بين الثقافات، وتفسّر بالتالي المراحل التطوّرية لثقافة معيّنة في مجتمع معيّن.
على الرغم من تعدّد العناصر الثقافية، وتداخل مضموناتها وتفاعلها في النسيج العام لبنية المجتمع الإنساني، حيث إنّ جوهر الثقافة هو في حقيقة الأمر، ليس إلاّ تفاعل الأفراد في المجتمع بعضهم مع بعض، وما ينجم عن هذا التفاعل من علاقات ومشاعر وطرائق حياتية مشتركة.
إن اللغة من الصفات التي يتميّز بها الكائن الإنساني عن غيره من الكائنات الحيّة الأخرى، فهي طريقة التخاطب والتفاهم بين الأفراد والشعوب، بواسطة رموز صوتية وأشكال كلامية، علاوة على أنها وسيلة لنقل التراث الثقافي والحضاري، حيث يمكن استخدام معظم اللغات في كتابة هذا التراث.
وهناك علاقات تعاونية بين عالم اللغة والأنثروبولوجي الثقافي، وذلك لأنهّ على كلّ من الأثنولوجي والأنثروبولوجي الاجتماعي، الأنثروبولوجيا، اللغة في سياقها الاجتماعي والثقافي في المكان والزمان، وتقوم بإعادة بناء اللغات القديمة من خلال مقارنتها بالمتحدّرات عنها في الوقت الحاضر.
ومن الملاحظ أنّ فرع اللغويات هو حالياً من أكثر فروع الأنثروبولوجيا الثقافية، استقلالاً وانعزالاً عن الفروع الأخرى، فدراسة اللغات يمكن أن تجري دون اهتمام كبير بعلاقاتها مع الجوانب الأخرى في النشاط الإنساني، الذي يثبت لنا أهميّة بالغة لِلُّغَةِ ويعتبرها أحد الأركان الأساسية في علم الإنسان، بحيث إنّ اللغة هي الخاصية الرئيسة التي تميّز الإنسان عن الكائنات الحيّة الأخرى.
الأنثروبولوجيا الثقافية تبحث في الأصول الأولى للثقافات الإنسانية وتسعى إلى فهم كل صور الحياة الاجتماعية، والهدف الأول من هذا هو الحصول على معلومات عن الشعوب القديمة، إلا أن الهدف النهائي يتمثل في تفهّم العمليات المتّصلة بنمو الثقافات أو الحضارات، وبالتالي إدراك العوامل المسؤولة عن تلك التغيّرات، وتؤكد أهمية هذا الانتشار في نمو الثقافة البشرية وقدرة الاختراعات الجديدة وأهمية الاستعارة المستمرة والسمات المشتركة في تاريخ الإنسان.