سلمان بن محمد العُمري
من لم يتقن فن التجاهل والتغافل سيخسر الكثير من جهده وصحته بل علاقته مع الناس، إذ في كل يوم تمرّ علينا أحداث ومواقف ليست جميعها ما يناسبنا أو يوافق رغباتنا بل ربما تكون خاطئة 100 %؛ فهل يلزمنا أن نتخذ موقفًا من كل خطأ وموقف نراه؟ لا وألف لا، فصحتك وعافيتك أولى من ذلك بكثير.
ولا يتوقف الأمر على الحدث وزمنه فقط، بل البعض يظل الموقف والحدث عالقًا في ذهنه يعاوده في كل آونة وحين، ويندم على ما مر عليه، وهذا لا يقل ضررًا على من يريد أن يكون له بصمة في كل موقف فربما انتهى الموقف في حينه بخيره وشره، ولكن من يجتر الأحداث والمواقف سيعاني كثيرًا وطويلاً. وقد لفت انتباهي رسالة جميلة جاء في مضمونها: عليك إفراغ بعض المساحة من الأشياء غير المهمة لأن الذاكرة ممتلئة، وذلك قد يؤدي إلى توقف بعض البرامج. ويواصل صاحب الرسالة قائلاً: فكرت في ذلك قليلاً.. وقلت في نفسي ماذا لو أفرغنا ما في نفوسنا من مساحات زائدة لا معنى لها وتزعجنا كثيرًا كذكريات مؤلمة، ومشاعر مؤذية، وعادات سيئة، وحسد، وضغائن، وأحقاد تستنزفنا، وأصدقاء سلبيين، وزملاء محبطين، وعلاقات تضر ولا تنفع.. وقس على ذلك كل ما هو مزعج في حياتك.
وقد أجاد صاحبنا الوصف والتصوير والمثال، فكم نحن بحاجة إلى أن نصفي ذاكرتنا من كل أمر يضيق صدورنا، ويوقد همومنا، ويجعلنا أسارى للهم والحزن والنكد. وكذلك يجب علينا قدر الإمكان التقليل من الجلوس والاستماع للمتذمرين دائمًا، ومن لا يعجبهم شيء في الحياة، وليس لديهم غير التذمر والاعتراض وحياة النكد والهم والغم، وشتان بين مجالسهم ومن تراهم دائمًا يحبون التفاؤل والبشاشة، ويرسمون السعادة على وجوههم ووجوه الآخرين حتى وإن أصابتهم نكبات الدهر، ولديهم من الظروف الصعبة ما الله به عليم.
إن التغافل أثناء الموقف والتجاهل فيما بعده ونسيانه أمر مهم للغاية. وقد أثر عن الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- قوله: تسعة أعشار العافية في التغافل. وهي قاعدة تربوية ومهمة للمربين وللزوجين وفي عموم الحياة.
ذلك أن المربي أو الزوج عليهم ألا يلتقطوا الأخطاء ولا يتصيدوها مع أبنائهم وتلاميذهم وأزواجهم ومع سائر الناس فهذا سيؤدي إلى الإفساد لا الإصلاح، ولكن هناك طرقًا غير مباشرة للتوجيه والإرشاد، وليس كل أمر يجب أن يوضع عليه علامة (صـح) وعلامة (خطأ)، ويكفي التلميح لا التصريح أحيانًا، والأهم من ذلك ألا يتم وضع كل خطأ وموقف في رصيد تراكمي يؤدي في الأخير إلى الضجر والملل وربما ابتعاد كل طرف عن الآخر.
يقول أحدهم: مع سنوات عمري اكتشفت أني لا أبحث إلا عن صحة جيدة، وراحة بال؛ فأحب أي مجلس أستقي منه فائدة ومتعة، وأحب أن أكون بصحبة أناس عقولهم كبيرة وقلوبهم بيضاء صافية، يعرفون معنى الحب، ولا يعرفون الحقد والحسد والنكد. وأريد أن أكون مع من يرون أن الحياة جميلة مهما قست، وأن النور قادم بإذنه تعالى، وأيقنت أنني لا أهتم بكلام كل الناس عني، ولكن أهتم بأهل الفضل والحكمة، وأيقنت أن التغافل والتغاضي أساس الراحة والعلاقات الناضجة، وأيقنت أن ما اختاره الله لي هو الأفضل والأكرم لي، ولا زلت أحسن الظن بربي، وأنتظر منه الكثير. يا له من كلام كبير يستحق أن يروى ولا يطوى، ويذكَّر به في كل آن وحين.
أيها الأحبة.. لا تخسروا أزواجكم وأبناءكم وأسرتكم بسبب موقف.. ولا تخسر أقاربك أو أصدقاءك بسبب موقف؛ فالحياة لا تتوقف على موقف واحد، واحذروا من القطيعة، ولولا التغافل والتسامح لما طابت الحياة؛ فتغافلوا وسامحوا، وعليكم بسلامة الصدر.