من أسماء النساء الدراجة في بلادنا: مُوضي ومضاوي، فما اشتقاقهما؟ وما وزنهما؟
أولاً: موضي:
يحتمل اسم موضي ثلاثة أوجه:
الأول: أنه اسم فاعل مشتقّ من الإيضاء، مصدر الفعل أَوْضَأَ، المزيد من وَضُؤَ، أي صار وَضِيئًا. قال ابن القوطية في الأفعال: وَضأته وضاءة: كنت أَوْضَأَ منه؛ أي أجمل. اهـ. وفي حديث عُمرَ، رضي اللَّهُ عنه، لحَفْصةَ: لا يَغُرّكِ أن كانتْ جارَتُكِ أَوْضَأَ منك. اهـ. فهو على هذا الاشتقاق مهموز اللام، واسم الفاعل: مُوضئ، ثم خفّفوه بالتسهيل أو بقلب الهمزة ياء، ووزنه مُفْعِل.
الثاني: أن يكون اسم فاعل من الضوء، من الفعل أضاء فهو مضيء، ثم حذفت همزته وأشبعت ضمّة الميم، فقالوا: موضي، وأشارت إلى هذا الوجه الباحثة حسناء الزهراني.
والثالث: أنه من الضَّوء، وهو قبل القلب المكاني: مُضْوِئ، فقلبوه، فقالوا: موضئ، فحدث في همزته ما حدث في الوجه الأول، أي سهلوا الهمزة أو قلبوها ياء، فقالوا مُوْضِي، ووزنه على هذا الوجه: مُعْفِل.
ثانيا: مضاوي:
وزنه مَفاعل، جمع تكسير، ويحتمل في الاشتقاق ثلاثة أوجه:
أولهما: أنه جمع مِضواة، (مِضْوَأة) اسم آلة، وهي الكوّة المضيئة. قال الشريشي في شرح المقامات الحريرية: ولبعضهم في حمّام كانت مَضاوئه من زجاج أحمر.. وذكر ثلاثة أبيات. وفي التاج: قال الرّئيس: هو حَجَرٌ بَرّاقٌ يتشظّى إذا دُقَّ صَفائِحَ وشَظايا، يُتّخَذُ منها مَضاويَ للحَمّاماتِ بدلاً عن الزُّجاج. اهـ. وقال دوزي في التكملة: مَضاوٍ: نافذة، كوّة، منور، كوّة مستديرة أو بيضة، ولوح زجاج صغير مستدير يجعل في سقف البيت. اهـ. وفي معجم تيمور الكبير: الشريشي على المقامات: استعماله مضاوئ لما يسمى قَمْريّة. قلت: ومضاوئ مهموز، ثم خُفّفت همزته أو قُلبت ياء على عادتهم في لهجاتهم، فقالوا: مضاوي، وسمّوا به المرأة.
الثاني: أن تكون من المَضاءة (المَضوأة) اسم مكان للضوء، فجمعوها: مضاوئ، وقلبت الهمزة ياء على عادتهم في لهجاتهم. وأشار إلى هذا الاشتقاق د. سامي الفقيه الزهراني. وعندي أن هذا الوجه يلي الوجه الأول، ولا يتقدّم عليه.
الوجه الثالث: أنها من المَضْوَى، اسم مكان، من ضَوَى يضوِي ضيًّا إذا اجتمع وانضمّ أو أتى ليلا، ولم نزل نقول في لهجاتنا: ضوى الرعيان يضوون؛ إذا جاؤوا مساء بماشيتهم وتجمعوا في مأواهم، ثم جُمع المَضوى على مفاعل. وأشار إلى هذا الاشتقاق أ. صالح العوض، وأراه مرجوحًا بما سبق.
فهذه ثلاثة أوجه لاشتقاق مضاوي، من المِضواة أو المضاءة أو المَضوى، الأول والثاني من جذر (ض و أ) والثالث من جذر (ض و ى).
فإن قيل ألا تكون من الوضاءة؟ ثم حدث فيها قلب مكاني؟ قلت: الجذران ضوأ و(وضأ) شقيقان، ومعنى الضياء فيهما جميعًا حين ننظر في مادة الجذرين، كمعاني بعض المقلوبات مثل جذب وجبذ، وتفسره نظرية الاشتقاق الأكبر عند ابن جني، ولا نقول بالقلب دون حاجة مع ظهور اشتقاقه من الضوء على أحد الوجهين الأول أو الثاني مما سبق.
فإن قيل ألا تكون مضاوي اسم فاعل، على وزن (مُفاعِل) من ضَاوَأَ مُضاوأة، مُفاعلة من الضَّوء، فهو مضاوئ، ثم سُهّلت الهمزة أو قلبت ياء (مُضاوي) على عادتهم في هذا الموضع، ثم تلاعبوا بحركة الميم فنطقوها بين الفتحة والكسرة، وهو الوجه الذي أشار إليه د. حسن الحفظي. قلت: وهذا وجه مرجوح أيضًا، إذ لم نعهدهم يُسمّون البنات باسم فاعل من المفاعلة من غير تاء، فلو كان الاسم منه لقالوا: مُضاوية، مثل مُحارب ومُحاربة.
** **
- أ.د. عبدالرزاق الصاعدي