رمضان جريدي العنزي
على مهل، قلت سأدخل البحر على مهل، بهدوء أتسلل إليه، هو البحر كلما شع الحنين في صدري، يصيبني الشوق إليه، عندما يلوح لي طيف، أبحث عن محارة في قاعه وبين تجاويف صخره، أوسطي هو البحر، مثل لوحة فاتنة، لا سيما والنوارس بالأعالي تطير، الليل، ورائحة البحر، والقصيدة، والريح الحنون، ومراكب تغدو وتجيء، ووتر غريب ينشد لحناً شجياً، طوبى للبحر، للشغف القديم، لشاطئ الرمل، للغيم والسديم، طوبى للنسيم العليل، طوبى لانسكاب الليل في جفون الحيارى، طوبى لضوء القمر فوق البحر، مثل مصباح جميل، طوبى للمراكب العائمة، طوبى للحمام واليمام والطيور العابرة، طوبى للمعاني العالية، طوبى لبلورة القصيدة القابعة في الذاكرة، هو البحر أعشق اسمه منذ صغري، وعن ظهر قلبي، معه أصبح نورس في مهبه، اعترف بأنني مفرط في حبه، مفرط في التأمل عنده، مفرط في حبات رمله، مفرط في مده وجزره، ولهي البحر، أحبه وأخافه، كلما اشتعلت رمال العطش في روحي أرحل إليه، كي أخط على موجه مرثية الرحيل، كأني معه حصان جموح، أو أقحوان في سنبلة يانعة، يفرحني مدة، ويحزنني جزره، هو البحر معفر رمله بالليمون وبالنعناع، أصبح معه المعري والفرزدق وجرير، ويصبح صوتي مثل هديل الحمام، للبحر ثلاثة عطور، في أول الليل عطر، وعند انبثاق النهار عطر، وعند حلول الظهيرة عطر، هو لا يعرف بأني أحبه، لكني أحبه، معه أنادم ظلي، وأكتب شعراً على رمله، وأرسله للرعاة الحداة، اثنان في قلبي: الفراشة الملونة، وزرقة البحر، الفراشة في خدرها، والبحر حين يموج، لا شغل لي عنده سوى التأمل مع طوق الحمامة وفيروز وبعض القصيد، يا قهوة البحر، يا غيمة تمر، يا سحاب مطير، يا تلويحة تنهيد، بي رغبة لسماع الربابة عند انكسار الظهيرة، بي رغبه أن أرى ما وراء البحر المديد، نحو الشمال البعيد، أعد النجوم وما أستطيع التمام، سأرهف سمعي للنوارس، للطيور الكثيفة، أبحر مع الريح في مهب الأماني، وأشطر حلمي لنصفين، نصف لي، ونصف للذكريات العتيقة، مع البحر لا أود لقافلتي أن تستريح، إني أرى في البحر ما لا يرى، واضح أحياناً، وأحياناً مثل مرايا الغموض، عطر هو البحر، شهقة عاشق، وقصيدة مطوية تحت السرير.