«الجزيرة» - الاقتصاد:
استمرت المخاوف المتعلقة بجانب الطلب تطارد سوق النفط, حيث انخفضت الأسعار مرة أخرى إلى ما دون الـ 100 دولار أمريكي للبرميل في بداية أغسطس 2022. ووصلت أسعار النفط إلى مستويات ما قبل الحرب بعد عودة ظهور مخاوف الركود مجدداً على ساحة الأحداث، حيث ظلت توقعات الطلب غير واضحة خاصة بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا. وأدى رفع أسعار الفائدة الشهر الماضي إلى تعزيز إمكانية حدوث تباطؤ اقتصادي حيث أن معدل التضخم الكلي في الولايات المتحدة لايزال مرتفعاً عند 8.5 في المائة في يوليو 2022.
كما أدت موافقة الأوبك على زيادة الإنتاج، وإن كان بمستويات هامشية، واستئناف الإمدادات من ليبيا إلى زيادة الضغوط على النفط. جاء ذلك في تقرير كامكو إنفست حول أداء أسواق النفط العالمية.
إلا أن تراجع أسعار النفط والتقلبات المستمرة ساهمت في توفير بعض الارتياح لمستوردي النفط في كافة أنحاء العالم الذين كانوا ينادون بزيادة الإنتاج. ومن المتوقع أن يؤدي هذا بدوره إلى تعويض مخاوف نمو الطلب جزئياً. وانخفض متوسط سعر البنزين في الولايات المتحدة إلى ما دون الـ 4 دولارات أمريكية للجالون للمرة الأولى منذ مارس 2022 ومن المتوقع أن يساهم ذلك في تعزيز بيانات التضخم على المدى القريب والذي من المتوقع له أن ينخفض بعد ذلك.
كما كشفت البيانات الاقتصادية الصادرة مؤخراً من الولايات المتحدة والصين عن صورة إيجابية. وفي ذات الوقت، سلط كبار المسؤولين التنفيذيين الضوء على حالة عدم اليقين بشأن الركود الاقتصادي وما ينتج عن ذلك من مواصلة الالتزام بالحذر. كما أظهرت البيانات الصادرة من الصين والهند أيضاً إشارات طلب إيجابية مدعومة من التعافي الاقتصادي وكذلك رخص أسعار الواردات النفطية من روسيا. كما أدى التحول من الغاز إلى النفط بسبب ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، خاصة في أوروبا، إلى دعم أسعار النفط.
وعلى جانب العرض، أثرت الزيادة التي وعدت بها الأوبك وحلفاؤها بمقدار 100 ألف برميل يومياً في اجتماعها الأخير إلى حدٍّ ما على ارتفاع أسعار النفط. إلا أنه على الرغم من ذلك، أثار المتشككون بعض المخاوف المتعلقة بشأن قدرة المجموعة على زيادة الإنتاج بشكل أكبر. وساهم استئناف الإنتاج في ليبيا في الحد من ارتفاع الأسعار. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت وكالة الطاقة الدولية، في تقريرها الشهري الأخير، أن حظر واردات النفط الروسي كان له تأثيرٌ ضئيلٌ على إنتاج روسيا.
من جهة أخرى، بدأ تجنب استيراد النفط الروسي ينعكس على البيانات الأخيرة، مما أدى إلى تحول هيكل السوق مع انخفاض واردات اليابان من النفط الروسي لتصل إلى الصفر خلال يونيو 2022 بينما استوردت بولندا أولى شحناتها من خام مربان أبوظبي في أغسطس 2022 كبديل للنفط الروسي. من جهة أخرى، احتفظت الصين والهند بمركزهما ضمن أكبر مستوردي الخام الروسي الرخيص.
أما على صعيد الإنتاج، زاد إنتاج الأوبك بأكثر من 200 ألف برميل يومياً في يوليو 2022 بدعم رئيسي من زيادة الإنتاج من قبل منتجي الشرق الأوسط، والذي قابله جزئياً تراجع إنتاج أنجولا وإيران. من جهة أخرى، كشف أحدث تقرير أسبوعي لإدارة معلومات الطاقة عن وصول إنتاج النفط الأمريكي إلى أعلى مستوياته المسجلة بعد الجائحة عند 12.2 مليون برميل يومياً، فيما يعد الأعلى منذ إبريل 2020. كما سجلت بيانات منصات الحفر أول تراجع في عددها منذ 10 أسابيع وفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن شركة بيكر هيوز.
الاتجاهات الشهرية لأسعار النفط
تراجعت أسعار العقود الآجلة للنفط إلى أدنى مستوياتها المسجلة في 6 أشهر ببداية أغسطس 2022 وصولاً إلى 94.1 دولار أمريكي للبرميل على خلفية المخاوف المتعلقة بتأثير ركود الاقتصاد العالمي المتوقع على الطلب على النفط. وكان الانخفاض خلال الأسبوع الأول من الشهر هو الأعلى منذ بداية إبريل 2022. إلا أنه كانت هناك عوامل معاكسة متساوية دعمت أسعار النفط مما أدى إلى هدوء وتيرة تقلبات أسعار النفط وتراجعها هامشياً إلى دون مستوى الـ 100 دولار أمريكي للبرميل. وكان ضعف معدلات التضخم من أبرز الأسباب الجوهرية التي ساهمت في ذلك والذي أعقبه صدور بيانات سوق العمل القوية في الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، اتخذ الطلب على النفط اتجاهاً إيجابياً في الصين والهند. حيث ارتفعت الواردات النفطية للهند بنسبة 17.1 في المائة خلال الربع الممتد من إبريل إلى يونيو 2022 بعد ارتفاع الطلب وتلقي خصومات من روسيا بينما زادت واردات الصين بنسبة 1 في المائة في يوليو 2022 مقارنة بتراجع الواردات التي وصلت إلى أدنى مستوياتها المسجلة في 47 شهراً والذي شهدناه في يونيو 2022.
كما أدى إغلاق خطين من خطوط الأنابيب في أعقاب حادث تسرب النفط في خليج المكسيك إلى دعم الأسعار الأسبوع الماضي. بالإضافة إلى ذلك، جاءت المكاسب التي تحققت خلال اليومين الماضيين أيضاً بعد أن كشفت بعض التقارير أن مستويات المياه في نهر الراين، والتي تعد إحدى العوامل الجوهرية لتدفق شحنات الديزل والغاز من روسيا إلى أوروبا، قد انخفضت إلى مستويات قياسية تهدد شحن المنتجات المكررة إلى أوروبا. وانعكس انخفاض أسعار النفط خلال شهر يوليو 2022 على متوسط الأسعار لهذا الشهر. وشهد المتوسط الشهري لسعر مزيج خام برنت ثاني أكبر انخفاض منذ إبريل 2020 بنحو 8.8 في المائة ليصل إلى 111.93 دولاراً أمريكياً للبرميل، بينما شهدت سلة الأوبك أكبر انخفاض تسجله منذ سبتمبر 2020 بنسبة 8.8 في المائة، ليصل السعر في المتوسط إلى 108.55 دولارات أمريكية للبرميل. وبلغ متوسط سعر الخام الكويتي 111.1 دولاراً أمريكياً للبرميل بعد تراجعه بنسبة 6.6 في المائة عن متوسط الشهر السابق.
من جهة أخرى، أشارت أحدث التقارير الشهرية لوكالة الطاقة الدولية إلى التأثير المحدود للعقوبات الغربية على النفط الروسي في أعقاب تزايد الطلب من الدول الآسيوية والشرق الأوسط. ووفقاً للتقرير، انخفضت صادرات النفط الروسي إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية واليابان وكوريا بنحو 2.2 مليون برميل يومياً. إلا أن تغيير مسار الصادرات إلى الهند والصين وتركيا قد عوَّض جزءاً كبيراً من تلك التأثيرات. وتمثل التأثير الصافي على روسيا في انخفاض الإنتاج بمقدار 310 آلاف برميل يومياً وانخفاض الصادرات بمقدار 580 ألف برميل يومياً مقارنة بمستويات ما قبل الحرب. ويمكن قياس حجم الواردات إلى الصين بالنظر إلى أنها أصبحت أكبر مستورد للخام الروسي خلال شهر يونيو 2022، متفوقة على الاتحاد الأوروبي.
الطلب على النفط
تم خفض توقعات نمو الطلب العالمي على النفط للعام 2022 بمقدار 0.3 مليون برميل يومياً إلى 3.1 ملايين برميل يومياً، مع توقع أن يصل متوسط الطلب إلى 100.03 مليون برميل يومياً. وعكست المراجعة النزولية لتقديرات الطلب للنصف الثاني من العام 2022 عودة ظهور قيود احتواء تفشي جائحة كوفيد-19 والشكوك الجيوسياسية. إلا أن المراجعة التصاعدية لبيانات الطلب للنصف الأول من العام 2022 بفضل توقعات تحسن الطلب من الدول الرئيسية الأعضاء بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ساهم جزئياً في تعويض الانخفاض الكلي. وكشفت تقديرات وكالة الطاقة الدولية مراجعة توقعات الطلب بمعدلات أعلى بلغت 380 ألف برميل يومياً للعام 2022 مع الإشارة إلى التحول من استخدام الغاز الطبيعي إلى النفط وزيادة الطلب من مولدات الطاقة بسبب موجة الحر الشديد التي يشهدها العالم كأسباب للمراجعة.
وتتوقع الوكالة معدلات نمو غير اعتيادية بصفة رئيسية في مناطق الشرق الأوسط وأوروبا يقابلها جزئياً ضعف الطلب في مناطق أخرى. ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية، ارتفع استهلاك النفط في السعودية والعراق والبرتغال والمملكة المتحدة وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا، ومن المتوقع أن يؤدي التزام الاتحاد الأوروبي بخفض استهلاك الغاز في دوله الأعضاء بنسبة 15 في المائة في الفترة الممتدة ما بين أغسطس 2022 ومارس 2023 إلى زيادة الطلب على النفط بنحو 0.3 مليون برميل يومياً على مدار الست فترات ربع السنوية القادمة.
كما يتوقع أن يشهد الطلب على وقود الطائرات نمواً بعد تزايد الطلب من قبل بعض القطاعات في بعض الدول الآسيوية، بما في ذلك الصين. ومن المتوقع أيضاً أن يتعافى الطلب على وقود الطائرات في الصين وبعض الأجزاء الأخرى من آسيا التي أظهرت زيادة في حركة الطيران، وفقاً لتقديرات شركة تحليل البيانات المنافسة «OAG» للطيران، التي نقلتها وكالة بلومبرج. وكشفت البيانات تزايد الطلب بقوة في منطقة شمال شرق آسيا وأوروبا الغربية وانخفاضه في وسط / غرب إفريقيا وآسيا الوسطى وأمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية.
من جهة أخرى، من المتوقع أن يشهد الطلب على البنزين في الصين زيادة شهرية قدرها 200 ألف طن ليصل إلى 14.5 مليون طن في أغسطس 2022 بدعم من انخفاض أسعار التجزئة وتزايد الطلب على السفر خلال موسم العطلات وارتفاع الطلب بسبب موجة الحر، وفقاً لبيانات شركة Oilchem. إلا أن من المتوقع أيضاً أن يؤدي خفض معدلات التشغيل من قبل شركات التكرير الصغيرة المستقلة في الصين والمعروفة باسم أباريق الشاي إلى تعويض الطلب الكلي على النفط جزئياً.
هذا ولم تشهد توقعات نمو الطلب على النفط في العام 2023 أي تغيرات تذكر وظلت مستقرة عند مستوى 2.7 مليون برميل يومياً مع توقع أن يصل متوسط الطلب إلى 102.7 مليون برميل يومياً، وفقاً لتقرير الأوبك الشهري. من جهة أخرى، قامت وكالة الطاقة الدولية بمراجعة توقعاتها للطلب للعام المقبل بمقدار 0.5 مليون برميل يومياً في تقريرها الشهري الأخير.
وأبقت الأوبك على توقعات نمو إمدادات السوائل النفطية من خارج الأوبك للعام 2022 دون تغيير مرة أخرى وفقاً لتقريرها الشهري الأخير عند مستوى 2.1 مليون برميل يومياً ليصل المتوسط إلى 65.8 مليون برميل يومياً. إلا أن التوقعات كشفت عن مراجعة تصاعدية لتوقعات الإمدادات الروسية (+252 ألف برميل يومياً) والتي قابلتها المراجعة النزولية للإمدادات من كازاخستان (-37 ألف برميل يومياً) والنرويج (-64 ألف برميل يومياً) والولايات المتحدة (- 138 ألف برميل يومياً).
وبالنسبة للإنتاج الأمريكي، أشار التقرير إلى إمكانية تراجع الإنتاج عن المستويات المتوقعة على الرغم من ارتفاع عدد منصات الحفر وأنشطة الاستخراج فيما يعزى بصفة رئيسية إلى سياسات ضبط النفقات الرأسمالية لشركات الحفر التي تركز على خفض الديون وزيادة العائدات للمساهمين. بالإضافة إلى ذلك، فإن القضايا المتعلقة بالعمالة وسلسة الإمدادات وتزايد التكاليف ستساهم أيضاً في الحد من معدلات النمو. وتضمنت مراجعة بيانات الإنتاج الأمريكية أيضاً تعديل بيانات السنوات السابقة. وعكس تعديل توقعات النرويج انخفاض الإنتاج بمعدلات أقل من المتوقع في الربع الثاني من العام 2022 بالإضافة إلى أعمال الصيانة الموسعة لحقول الإنتاج وتغييرات خطة حقن الغازات في النصف الثاني من العام 2022.
كما أبقت منظمة الأوبك أيضاً على تقديرات نمو إمدادات السوائل النفطية من خارج الأوبك للعام 2023 دون تغيير عند مستوى 1.7 مليون برميل يومياً لتصل إلى 67.5 مليون برميل يومياً. إلا أنه تم إجراء تعديلات على مستوى كل دولة على حدة مما ساهم في تعويض معدل التغيير العام. حيث تم رفع توقعات الإمدادات في الولايات المتحدة والمكسيك بمقدار 101 ألف برميل يومياً و60 ألف برميل يومياً للعام 2023 والتي قابلتها مراجعة نزولية للتوقعات الخاصة بروسيا بمقدار 160 ألف برميل يومياً.
إنتاج الأوبك
زاد إنتاج الأوبك من النفط بمقدار 216 ألف برميل يومياً خلال شهر يوليو 2022 ليصل في المتوسط إلى 28.9 مليون برميل يومياً، فيما يعد أعلى مستويات الإنتاج المسجلة منذ إبريل 2020، وفقاً للبيانات الصادرة عن مصادر الأوبك الثانوية. ووفقاً للأوبك، كانت الزيادة مدفوعة بصفة رئيسية بتزايد إنتاج السعودية والإمارات والكويت والعراق والتي قابلها جزئياً انخفاض إنتاج فنزويلا وأنجولا. وفي المقابل، أظهرت بيانات الإنتاج الصادرة عن وكالة بلومبرج تزايد معدلات الإنتاج بمقدار 270 ألف برميل يومياً خلال الشهر متخطية في المتوسط حاجز 29 مليون برميل يومياً لتصل إلى 29.05 مليون برميل يومياً.
كما كشفت بيانات وكالة بلومبرج ارتفاع الإنتاج في السعودية والكويت والإمارات، مقابل تراجع إنتاج إيران ونيجيريا وأنجولا. وجاءت السعودية مرة أخرى في الصدارة باستحواذها على أكبر زيادة لمعدلات الإنتاج على مستوى المجموعة لهذا الشهر وأكبر زيادة مسجلة في 11 شهراً (+180 ألف برميل يومياً وفقاً لوكالة بلومبرج و+158 ألف برميل يومياً وفقاً لمصادر الأوبك الثانوية) ليصل متوسط معدل الإنتاج إلى 10.8 ملايين برميل يومياً، فيما يعد ثاني أعلى مستويات الإنتاج المسجلة منذ نوفمبر 2018.
كما عكست زيادة الإنتاج في يوليو 2022 ضغوط المستوردين العالميين لزيادة الإنتاج سعياً منهم لكبح جماح الأسعار. وفي الاجتماع الذي عقد مؤخراً، قرر منتجو الأوبك وحلفاؤها زيادة الإنتاج بمقدار 100 ألف برميل يومياً في سبتمبر 2022. إلا أن وكالة الطاقة الدولية أثارت شكوكاً بشأن قدرة التحالف على زيادة الإنتاج بشكل أكبر بسبب الانخفاض المتوقع لإنتاج روسيا، والتي تعد عضواً من أعضاء الأوبك وحلفائها. من جهة أخرى، أقرت وكالة الطاقة الدولية أن السعودية والإمارات ستقومان بتحمل الجزء الأكبر من أعباء زيادة الإنتاج في المستقبل. كما كشفت تقديرات وكالة بلومبرج عن تباطؤ إنتاج الأوبك وحلفائها عن المستويات المستهدفة.
وتم استئناف إنتاج النفط في ليبيا بعد أن رفعت المؤسسة الوطنية للنفط حالة القوة القاهرة على الإنتاج بعد انتهاء الحصار. وأعرب وزير النفط عن أمله في أن تتمكن البلاد من مضاعفة الإنتاج إلى 1.2 مليون برميل يومياً خلال أسبوعين. وبلغ الإنتاج 0.7 مليون برميل يومياً في شهر يوليو 2022. وأضاف رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط أن الدولة تهدف إلى زيادة الإنتاج إلى 2 مليون برميل يومياً في خلال الثلاث إلى الخمس سنوات القادمة.
من جهة أخرى، استمر تراجع إنتاج النفط في نيجيريا خلال شهر يوليو 2022، وفقاً للبيانات الصادرة عن وكالة بلومبرج، بينما أظهر تقرير الأوبك زيادة هامشية خلال الشهر. وكشفت بيانات وكالة بلومبرج تراجع الإنتاج في البلاد على مدار ستة أشهر متتالية، ليصل بذلك إلى أحد أدنى مستوياته المسجلة. وأظهرت التقارير أن الإنتاج في أغسطس 2022 قد يتراجع بسبب إضراب عمال النقل البحري.