د.ناصر بن حمد الهملان
بفضل رؤية المملكة 2030 التي يرعاها سمو ولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - سيتجه القطاع الصحي لمرحلة انتقالية في هياكله التنظيمية وأنظمته التشريعية وكذلك طريقة تقديم الخدمة الطبية؛ لأن الرؤية تسعى لنهج كفاءة الإنفاق والحفاظ على الموارد مع تقديم خدمة صحية أكثر جودة وفعالية ومرونة. وفي هذا الإطار تسعى حكومتنا الرشيدة إلى تطبيق نظام التأمين الصحي الوطني الذي - بمشيئة الله - سينهض بالخدمات الطبية إلى مستوى أعلى من توافر الخدمة ورفع الجودة.
ومن خلال خبرة كاتب هذه السطور كطبيب ممارس أكرمته حكومته الرشيدة للدراسات العليا في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، وتهيأ له الاطلاع على النظامين الصحيين وكذلك العمل في كلا البلدين ما يتيح للكاتب حق الإدلاء بالرأي حول نظام التأمين الصحي الوطني السعودي الجديد المزمع تطبيقه.
إن نظام تقديم الخدمات الطبية في كل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة لمواطنيها والمقيمين فيها مختلف جذري وذلك لاختلاف السياسات الصحية ونظام التأمين الصحي في كلا البلدين.
فمن سمات الخدمات الصحية الوطني البريطاني (National Health Services)
- يدار من الحكومة المركزية البريطانية التي تعطي ميزانية خاصة لتقديم الخدمات الطبية لكل مواطن ومقيم مجانيا ودون شروط في المستشفيات ومراكز النظام الصحي الوطني ومستشفيات الجامعات الطبية الحكومية.
- تشمل الخدمات الطبية المجانية المقدمة من خلال النظام البريطاني الاستفادة من خدمات الكشف والأشعة والتحاليل الطبية وعلاج الأسنان، ويتحمل في الغالب المواطن البريطاني والمقيم تكلفة لكل دواء في الوصفة العلاجية بقيمة قليلة وثابتة مهما كانت قيمة الدواء العلاجي. أما الفئة من المجتمع الذي ليس له دخل مالي أو أقل من الدخل الأساسي للفرد أو الأسرة فيتم تقديم الدعم المالي لتكلفة العلاج والمواصلات من مقرهم إلى المستشفيات والمراكز الطبية.
- يشمل العلاج المجاني والوصفة الطبية للمرأة الحامل.
- لكن توجد معايير ومتطلبات محددة طبيا حتى يمكن للمواطن والمقيم البريطاني للاستفادة من الخدمات الطبية المجانية من خلال النظام الصحي البريطاني، وخاصة عند الحاجة للإجراءات الطبية والجراحية التجميلية والرعاية الصحية الثالثة (مثل زراعة الأعضاء والعمليات الجراحية الكبرى)، وذلك لتقليل تكلفة وميزانية الخدمات الطبية المقدمة والحفاظ على الموارد العامة.
بينما من السمات الرئيسية من تقديم الخدمات الطبية في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال ميديكير وميديكيد (Medicaid and Medicare)
- تقديم خدمات طبية مجانية محدودة أو مشاركة الحكومة الأمريكية في تكلفة الخدمات الطبية إلا أنه لا بد من توافر شروط لتطبيق هذه الخدمات الطبية المجانية مثل أن يكون المواطن مشتركا سابقا في برنامج الضمان الاجتماعي وذلك لسياسات البلد الرأس المالية، لهذا يعتمد المواطن والمقيم في الولايات المتحدة الأمريكية على نظام التأمين الصحي عن طريق شراء إحدى الباقات الطبية المقدمة من شركات التأمين الخاصة سواء المواطن والمقيم بنفسه أو من خلال جهة العمل التي يعمل بها.
لذا فمن الأفضل أن يكون نظام التأمين الصحي المقترح للمواطنين في المملكة مزيجا من المميزات الإيجابية من النظامين الصحي الوطني البريطاني والأمريكي بما يتناسب مع الرؤية الصحية لـ 2030 مع مراعاة كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة والدخل المحدود. وهنا فيقترح ما يلي:
- أن تكون اللجان الموكلة بوضع معايير التأمين الصحي الجديد مكونة من أعضاء من خبرات وطنية تم تأهيلهم وتدريبهم وتقييمهم من عدة مدارس ومع انضمام لهذه اللجان من الأكاديميين والاستشاريين ذوي الخبرة في السياسة الصحية الوطنية، ولاسيما فيما يتعلق بأسواق الرعاية الصحية والتمويل، بالإضافة إلى ممثلي شركات التأمين الصحي وأصحاب العمل في القطاع الصحي وفئة من المرضى. ومن المهم كذلك أن يكون هناك أعضاء آخرون من ممثلي الوزارات مثل وزارة المالية والموارد البشرية ... إلخ.
- وضع ضوابط ومعايير التشخيص والعلاج.
- أن تكون هناك معايير لقياس الحاجة النفسية للمرضى وخاصة فيما يتعلق بالصحة الجمالية وعدم الاعتماد فقط على المعايير الطبية والتشخيصية مثل الحاجة الطبية والأشعة والتحاليل المخبرية.
- الحاجة إلى قائمة ترميز طبي محلي وطني شامل يتفادى نواقص معايير الترميز الطبي من الجمعيات والهيئات العالمية الطبية الأخرى، لأن مفردات الطب تختلف من بلد إلى بلد إلى حد ما, بالإضافة إلى اختلاف نوع الخدمة الطبية.
- وضع ضوابط واضحة وصارمة لكلا من شركات التأمين ومقدمي الخدمة الطبية من قبل القطاع الخاص والمستفيد من الخدمة لإتمام وتقديم الخدمة اللازمة والمطلوبة دون احتيال وخداع.
- وضع برنامج صحية ودورية لتوعية المجتمع وقائيا وطبيا للحفاظ على الصحة العامة والاستفادة من الخدمات الطبية دون إفراط والضغط على طلب الخدمات، وحبذا هنا مشاركة جميع الجمعيات الطبيات المتخصصة في التوعية الصحية للمجتمع.
مع مراعاة ما ذكر سابقا فإنه لا يتعارض الاستعانة بخبرات أجنبية أوروبية مع اللجان القائمة لوضع سياسات التأمين الصحي الجديد وإعادة النظر في الترميز الطبي المقترح.