منصور ماجد الذيابي
أسفرت زيارة رئيسة مجلس النّواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان مؤخرا عن تأجيج العلاقات الثنائية بين الصين وتايوان, بل وأدّت إلى تشنّج الوضع السياسي وتصعيد التّوتر في العلاقات الدبلوماسية, كما أسهمت في اندلاع حرب إعلامية بين الصين وتايوان من ناحية، وبين الصين والولايات المتحدة الأمريكية من ناحية أخرى؛ نتيجة لتوقيت الزيارة ورفض أو تجاهل الإدارة الأمريكية تحذيرات حكومة بكين لواشنطن بعدم قبول هبوط طائرة الوفد الأمريكي في مطار تايبيه ولقائه بمسئولين في جزيرة تايوان التي تعتبرها الصين جزءا لا يتجزأ من الأرض الصينية، رغم ما تتمتّع به تايوان من حكم ذاتي لا يزال خاضعا للحكومة الشيوعية المركزية في بكين منذ العام 1949 عندما فرّ الزعيم الصيني تشيانغ كاي شيك مع رفاقه في أعقاب الحرب الأهلية الصينية إلى تايوان، حيث جعلوا من هذه الجزيرة مركزا ومقرّا لحكومتهم وأنصارهم بينما بدأ الشيوعيون المنتصرون حكم البر الرئيسي باسم جمهورية الصين الشعبية.
حاولت تايوان منذ ذلك الحين الانفصال والاستقلال عن الصين غير أن محاولاتها لم تنجح؛ نظراً لقوة الصين العسكرية وهيمنتها على مجريات الحياة الاقتصادية والشئون السياسية في الجزيرة، ما جعل حكومة تايوان تستعين بالولايات المتحدة الأمريكية للدخول معها في تحالفات تتمتّع بموجبها تايوان بالحماية والدّعم العسكري الأمريكي ضد الشيوعيين الذين هزموا القادة المنشقّين بداية الحرب الأهلية بينهما.
وقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرا التزامها بدعم تايوان والوقوف إلى جانبها ضد التهديدات الصينية، الأمر الذي أزعج الحكومة في بكّين وزاد من مخاوفها حول تكرار سيناريو الحرب في أوكرانيا ونقله إلى تايوان, وبالتالي فإن نسخة السيناريو التايوانية تتضمّن استعداد تايوان للدخول في أرض المعركة بالوكالة التي منحتها إياّها دول حلف شمال الأطلسي الذي يرى في الصين قوة نووية وخصما عنيدا يشكّل إلى جانب روسيا خطرا محدقا بدول التحالف ولا سيما الدول الشرقية من أوروبا وكذلك اليابان وكوريا الجنوبية الحليفتان للولايات المتحدة الأمريكية.
ومثلما انزلقت روسيا في مستنقع الحرب مع أوكرانيا, فإن الصّين - في حال تورّطت بمهاجمة تايوان - فسوف تغرق هي الأخرى في حربٍ ضروس لها تداعيات كبيرة وخطيرة على الاقتصاد الصيني وعلى قوّته النووية والصاروخية, وهو ما تسعى الدول الغربية لتحقيقه من خلال زيارة بيلوسي لكل من تايبيه وسيول وطوكيو.
من كل هذه المعطيات يتّضح أن الدول الكبرى تلجأ في مرحلة أولى إلى الحرب بالوكالة، نظراً لكونها أقل تكلفة على موازنة الدّولة التي تُشنّ الحرب نيابة عنها دون أن تتورّط هذه الدولة فعليا في ساحة المواجهة العسكرية المكلفة جدّا على اقتصادها والمثيرة لأزمات داخلية حادّة.
وبالإضافة إلى تفادي خسائر الحرب الاقتصادية, فإن الدول الكبرى قد تستعين بدول صغيرة تجد نفسها في حاجة ملحّة لحمايتها من خطر ابتلاعها وضمّها بالقوة العسكرية كما فعلت روسيا عندما ضمّت جزيرة القرم الأوكرانية واعترفت بانفصال واستقلال إقليم دونيتسك عن أوكرانيا؛ مما أضطر الحكومة في كييف إلى قبول الدخول في الحرب نيابة عن الغرب مقابل الدّعم العسكري والمالي من جانب دول حلف الأطلسي على أن تطيل أوكرانيا أمد الصراع مع روسيا لتحظى على الأقل بالبقاء على خارطة العالم.
وبعد زيارة بيلوسي, ها نحن نشاهد اليوم سيناريو الحرب ذاته يتكرّر في تايوان التي تحاصرها المناورات والطلعات الجوية للطائرات والصواريخ الصينية، إضافة إلى فرض بكين عقوبات اقتصادية على تايوان احتجاجا على الزيارة ممّا ينذر باندلاع الحرب ودخول تايوان عسكريا في المواجهة مع جمهورية الصين الشعبية نيابة عن حلف شمال الأطلسي ذاته الذي يسعى منذ أمد بعيد إلى كبح جماح القوة الصينية المتزايدة وإضعاف اقتصادها بشكل عام.
وكمراقب للشأن الدّولي, فإن هذه الوكالات ليست حديثة عهد, إذ نعلم أن إيران كانت أصدرت وكالات لعدة جهات في الشرق الأوسط لشن هجمات عسكرية نيابة عنها بهدف زعزعة الاستقرار في هذه المناطق وإضعاف الوحدة الوطنية فيها وضمان تبعيتها لطهران كما في سوريا ولبنان.